د. حمزة السالم
الودائع المربوطة بزمن والسندات والتمويلات تتحصل بعمليات تحويل للنقد من وسيلة تبادل إلى وسيلة استثمارية، تماماً كالأسهم والمشتقات. فالوديعة والسند وعقد التمويل، لا يُشترى بهما من الخباز والسوق، فهي إذا ليست نقداً. والوديعة المربوطة بزمن، والتمويلات والسندات، لها مواعيد استحقاق لتسييلها، ولكن يمكن أحيانا بيعها كأي سلعة، ويُشترى بثمنها ما يُشترى بالنقود.
ولكونها أوراقا مالية، يعني أنها تتعرض لمخاطر الإفلاس ونحوه. إذاً، فحقيقة الودائع والتمويلات والسندات أنها مشاركة، وليست قرضاً بالمفهوم الشرعي. ويشهد لذلك خضوعها لمبدأ الربح على قدر المخاطرة، والذي هو من مفاهيم المشاركة. (فهناك سندات وودائع وتمويلات قد تصل فوائدها إلى عشرين وثلاثين وخمسين بالمئة بسبب ارتفاع مخاطرة الإفلاس والخسارة. وبطاقات الائتمان، مثال على ارتفاع الفوائد مقابل ارتفاع المخاطرة).
وتمويل الشركات والمشاريع يقوم أساساً على الممولين، لا على الملاك. وفي الغرب، يُوصف الممولون -قانونياً- بأنهم مشاركون محدودون، (أي حملة السندات والممولون). وهذه الصفة فيها قصور في التوصيف، فكونهم محدودي الربح، لا يعني أن خسارتهم محدودة، بل خسارتهم غير محدودة كالملاك. اللهم أنها تأتي في الأولوية الثانية بعد حملة الأسهم والمؤسسين. فلو خسر المشروع أو الشركة بالكامل، فإن حملة السندات والممولين يخسرون أموالهم بالكامل أيضاً. وكذلك الودائع، فلو خسر البنك بالكامل، خسر المودعون أموالهم.
وليس بصحيح أن المودعين وملاك السندات لا يخسرون عادة، وإلا لما تسابقت السيولة على بعض السندات وهي تعطي عائداً سلبياً، كالسندات الحكومية الأمريكية قصيرة الأجل أحيانا، وكالسندات الألمانية واليابانية غالبا. كما أن هناك من الودائع ما فوائدها يصل إلى الصفر وأقل من الصفر أحياناً، فهناك من البنوك من تأخذ أجوراً على الودائع، ولا تعطي فوائد. والمستثمرون يلجؤون إليها في الأزمات المالية خوفاً من إفلاس البنوك والشركات.
وسبب اللبس الحاصل اليوم في زكاة السندات والودائع هو: هجر المجتمعات لنظام المقايضة بالسلع، وخاصة تقايض السلعة بنفس صنفها حتى أنكرته العقول، رغم أن أحاديث ربا البيوع كلها تدور حول هذا النوع من المقايضة، وهو نوع المقايضة التي تتحصل بمبادلة المال بصنفه.
فالأوراق المالية أسهماً كانت أو سندات أو مشتقات الأسهم وما في حكمها كالودائع الاستثمارية، كلها سلع مالية. وهي تُباع وتُشرى كأي سلعة من السلع، فعلى ما تقدم: فحكم زكاتها يدخل تحت النظر فيها: أهي أموال قابلة للتنمية أم أنها أموال تُنمى بالفعل؟ فالودائع لزمن، لا يحتفظ بها البنك، بل هو يعيد تمويلها لمن ينميها. فالبنك يحسب حساباته على هذه الودائع بأن صاحبها لن يطلبها إلا في وقتها، وعلى ذلك يُجدول البنك بعض التمويلات.
والتمويلات تذهب لمن يستخدمها في بناء وصناعة واستهلاك، فهي إذن تُنمى، وتدخل في الدورة التنموية تؤدي دورها في الاقتصاد. فهي إذا، أموال غير قابلة للتنمية. فقد انقطعت قابلية نمائها بمجرد تحويلها إلى أوراق مالية. فلا زكاة في أصولها، ولكن في أرباحها فتستحق فيها الزكاة، فتجب بتحقق سببها وهو النصاب.
والخلاصة: أن الودائع والتمويلات والسندات لا تعتبر أموالاً زكوية في حق مالك السندات أو المودع، ولا تدخل الوعاء الزكوي، لكونها أموالا ُتنمى. وهي أيضا، ليست أموالاً زكوية في حق البنوك، طالما أن البنوك تعيد إقراضها ولا تحتكرها.