فضل بن سعد البوعينين
تنفق الدولة الجزء الأكبر من ميزانيتها على التعليم؛ إيمانًا منها بأهميته، ودوره في تحقيق التنمية الشاملة، والاقتصادية على وجه الخصوص. كما خصصت ميزانيات ضخمة خلال العقد الماضي، لتطويره والارتقاء بمخرجاته. ومن غير المتوقع أن يحدث وزير؛ وإن تميز بكفاءته العلمية والإدارية والمعرفية؛ تحولاً مشهودًا في وزارة التعليم؛ ما لم يعتمد على إستراتيجية وطنية شاملة وأهداف محددة وخطط عمل مدروسة مرتبطة بالحكومة. وأعني أن تكون خارطة الطريق مرسومة سلفًا، وفق إستراتيجية وطنية ملزمة، فيأتي الوزير لتنفيذ مرحلة من مراحلها التراكمية، وهو في هذه الحالة أشبه بعداء التتابع، الذي يعدو ضمن مجموعة الفريق الواحد، ينهي مسافة العدو الخاصة به ثم يسلم الراية لمن بعده ليكمل المسيرة وهكذا دواليك حتى يصل العداء الأخير خط النهاية. قد يتميز أحد العدائين بسرعته إلا أن نتيجته النهائية مرتبطة بجهود الآخرين. فنجاح العداء الأخير ينسب للفريق، وكذلك فشله.
وفي التعليم، تبرز أهمية العمل التراكمي لتحقيق النتائج الإيجابية، بل أزعم أن أي مشروع لتطوير التعليم وتحسين مخرجاته لا يمكن تحقيقه ما لم يبدأ بالتعليم الأولي، ما يعني الحاجة لفترة زمنية طويلة قبل قطف الثمار. وخلال العقود الماضية، لم نجد تطويرًا حقيقيًا في التعليم، برغم الجهود المبذولة والميزانيات المنفقة، يؤكد ذلك تدني مستوى البيئة التعليمية والمخرجات النهائية. ولولا ضعف المخرجات لم تضطر الجامعات لتخصيص سنة تحضيرية ترفع من خلالها كفاءة الطالب الجامعي وتكسبه قدرات كان من المفترض الحصول عليها في التعليم العام. ويأتي السؤال الأهم وهو: من يتحمل هذه القصور؟ أحسب أن الحكومة هي المسؤولة عن ما يحدث في التعليم اليوم، بسبب التجارب المتتالية التي طبقها الوزراء المتعاقبون على «التعليم»، فلكل وزير رؤيته الخاصة، وخطط عمل مختلفة، وربما أهداف مختلفة أيضًا، فجاءت النتائج المتدنية التي نراها منذ أكثر من ثلاثة عقود وليس اليوم.
أجزم أن رؤية 2030 جاءت بالأمل المنتظر، غير أننا في أمس الحاجة إلى إستراتيجية مجربة لا أن نجرب إستراتيجيات تعليمية جديدة قد نكتشف خطأها بعد سنوات. وبدلاً من اختراع العجلة، فيفترض أن نستخدم العجلة الجاهزة، وأعني نقل أهم وأنجح تجربة تعليمية عالمية وتطبيقها محليًا، مع الأخذ في الاعتبار إضافة المواد الدينية والعربية التي نحتاجها محليًا. نقل تجارب النجاح ستوفر المال والجهد والأضرار المتوقع حدوثها بسبب التجارب المتعددة.
وعطفًا على المواجهة بين وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم، ومحاولة كل جهة إلقاء اللوم على الأخرى في تدني المخرجات، أجد أن الخروج عن المسار الحكومي في طرح مثل هذه القضايا ليس بالأمر المقبول. خاصة مع وجود مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يفترض أن يكون مظلة لمثل هذه النقاشات والاتهامات أيضًا. فالمواطن البسيط يهتم بالمخرجات النهائية، وسيلقي بمسؤولية التقصير فيها على الحكومة؛ التي يفترض أن تكون المسؤولة عن محاسبة المقصرين من وزرائها والحريصة على توزير من تعتقد بقدرته على تنفيذ الإستراتيجية الحكومية وتحقيق أهدافها. فالأمر يتجاوز الانتصار للنفس إلى الانتصار للوطن والمواطنين، وهو ما يجب على أصحاب المعالي الوزراء إدراكه.