رمضان جريدي العنزي
ثقلاء المجالس أشخاص فيهم بلادة، وقلة لباقة، تنفر منهم النفوس، وتستثقلهم الأرواح، لا يكفون عن النرجسية والثرثرة، والحديث عن الذات والأنا، لهم هواية حضور المجالس بشكل غريب، يطولون الحديث، ولا يتيحون الفرصة والمجال لغيرهم للكلام، يصدعون الرؤوس، ويوحشون النفوس، ما عندهم ذكاء عاطفي ولا وجداني، وغير مدركين مقدار الكآبة التي يلحقونها بالآخرين، ولا حجم الضرر النفسي الذي يتسببون فيه للمتعاملين معهم، ما عندهم قدرة فائقة على قراءة المشاعر وتلمس الضيق والضجر الذي يصيب الآخرين من جراء أفعالهم وتصرفاتهم وقصور أحاسيسهم. وقد أجاد الشاعر حين وصفهم على حقيقتهم:
وثقيل أشد من ثقل الموت
ومن شدة العذاب الأليم
لو غصت ربها الجحيم لما
كان سواه عقوبة للجحيم
وقال شاعر آخر:
أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل
أنت في المظهر إنسان وفي الميزان فيل
وقال علي الجندي في وصف رجل أثقل عليه:
ثقيل على أرواحنا ثقل الحجر
نلقبه من شؤمه زحل البشر
تغيب بشاشات المنى بحضوره
وتهجر أحزان النفوس إذا هجر
كأن ثلوج القطب حشو ثيابه
فإن هو وافى كاد يقتلنا الخصر
وأبشع من ضحك القرود حديثه
وأقبح من فقر ألمّ على الكبر
يمنّ على جلاسه بجلوسه
وأمتع منه أن تجالسك البقر
فيا ليته يومًا أحس بأنه ثقيل
على الروح الخفيفة فانتحر
فيا رب لا تدخل جنانك مثله
فيهرب منها الصالحون إلى سقر
وقال العباس بن الحسن العلوي: ما الصوم في السفار، وحلول الدين على الأعسار، واجتماع العار والشنار، بأثقل من لقاء فلان.
للثقلاء تطفل بائن، يتدخلون في شؤون الناس الخاصة والعامة، ويهوون المكوث الطويل، ويسهبون في السرد، ولهم مزاح ثقيل، مزعجون، ويسببون الأذى النفسي، عندما يتكلمون لا يفيدون، ولا يحسنون الصمت والاستماع، ولا يقيّمون أنفسهم، ولا يعرفون منزلتها، إن تكلموا فإن كلامهم ينزل كالحجر على قلوب وأذان المستمعين، معجبون بأنفسهم، ويحسبون كلامهم مسكًا وريحانًا وعنبرًا. إنهم آفة المجالس، عقولهم خفيفة، ويتصفون بالحماقة، يحبون من الخطوط الدوائر، ويمقتون الخطوط المستقيمة، همهم تتبُّع السقطات والزلات، وإلصاق التهم بالأبرياء، صناعتهم الكذب، يبيعون فيه ويشترون، لهم صولات وجولات، إلا عن الحق ينكصون، عندهم أغلوطات، وسفسطات، وقرمطات، وتشتدقات، فاللهم امنحنا الصبر عليهم، وهب لنا حكمة أعظم من مكرهم، وفطنة أكبر من خداعهم، اصرفهم عنا، أرح قلوبنا منهم، ولا تجعلهم فتنة لنا، وبلاء علينا.