حسن اليمني
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت نهاية الحِقب الاستعمارية الإمبريالية، وتحررت، واستقلت أوطان كثيرة في هذا العالم، ومن بينها كثير من أقطارنا العربية، بيد أنه بعد ثمانية عقود ما زالت كثير من أقطارنا العربية تئن من التخلف والضعف في حين تقدمت دول غير عربية أقل إمكانيات وثروات، وحققت كثيرًا من أحلام الاستقلال، فما هي الأسباب؟
لم تنقشع حقبة الاستعمار إلا بعد أن وطدت حقبة استعمار جديد بشكل غير مباشر، لكنه واضح في التبعية والهيمنة والسيطرة.. فدخلت كثير من الدول النامية في صراعات ومخاض صعب إلى أن تحرر الكثير منها من سطوة الاستعمار الجديد وهيمنته، وأخذت لها مسارًا وطنيًّا حر الإرادة، وحققت الكثير من التقدم والتطور. ومثال ذلك البرازيل وإندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية والصين ذاتها، في حين لم تفلح أي دولة عربية في الانعتاق حتى الآن من أمراض الاستعمار وسطوته وهيمنته رغم توافر الثروات والإمكانات على مختلف تنوعها وتفرعها، مع ملاحظة التمايز فيما بينها؛ إذ ارتقت الأنظمة الملكية على الجمهوريات، وتقدمت عليها، سواء في العدل والحكم الرشيد، أو في تسخير الموارد في التطور والتقدم وترقية الحياة لشعوبها بفارق واضح ومشهود.
إن المقارنة بين الدول العربية والدول النامية الأخرى بعد أكثر من ثمانين عامًا على الحرب العالمية الثانية مخيبة للآمال، وإن إنكار ذلك هو مزيد من الانغماس في الفشل. كما أن التبرير بالقضية المركزية التي بقيت منذ نهاية تلك الحرب حتى اليوم معيقة للنهوض والتقدم لا يزيد على كونه محض تبرير لا أكثر؛ فغالب الدول النامية خرج منها الاستعمار تاركًا نقاط صراع للاستثمار السياسي والاقتصادي إلا أن ذلك لم يشكل عائقًا يحول دون التقدم والتطور, ثم إن قضية احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين نيابة عن القوى الاستعمارية ورأس حربة لها لم تنتهِ بتحريرها رغم تكرار الحروب وفشلها للأسف، ولم تصل إلى سلام رغم المبادرات العربية المتلاحقة، بل إن الدول العربية التي خرجت من الصراع بمعاهدات سلام مع إسرائيل ما زالت تئن بأمراضها حتى اليوم رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا على تلك الاتفاقيات؛ وهو ما يعني أن تبرير الفشل بالقضية المركزية مجرد تبرير.
دول الممالك العربية التي اختلفت عن دول الجمهوريات من ناحية الاستقرار والأمن السياسي استطاعت أن تستثمر ثرواتها في تحقيق تقدُّم وتطور ملموس ومحسوس ومشهود، ولم يكن ذلك لوفرة الثروات والإمكانات المتوافر مماثل لها في الجانب الآخر، ولا في تمايز التعداد السكاني؛ فالصين تحتل المرتبة الأولى في التعداد السكاني، وتزيد على مجموع العرب ربما بأربعة أضعاف؛ ما يعني أن نوع النظام الحاكم ليس كافيًا ليكون سببًا ومبررًا مقبولاً لتأخر الدولة العربية في النمو والتطور؛ إذ إن الدول النامية الأخرى هي أيضًا بين ممالك وجمهوريات.. ولا التمايز في التعداد السكاني مبرر معقول.. وتبقى إدارة الموارد وبناء التخطيط الاستراتيجي السليم واستقرار المسار في صعوده هو الأمر الذي يغيب عن كثير من الدول العربية، ويبقيها في الخلف حتى اليوم؛ ليصبح الفارق في النمو والتطور للممالك العربية على الجمهوريات بسبب حسن الإدارة والتخطيط والبناء الاستراتيجي.. وهو الأمر ذاته الذي صنع الفارق بين الدول العربية وكثير من الدول النامية التي استطاعت أن تتجاوز التخلف.
الغريب في الأمر أن هذه الجمهوريات العربية التي تتراجع إلى الوراء هي التي صدّرت المعلمين والأطباء والمهندسين للدول الملكية التي انتقلت اليوم إلى مستوى متقدم في المجالات كافة، بما يرسم صورة سريالية مثيرة مبهمة، تستدعي التأمل والتفكير، وطرح التساؤل الطبيعي الملحّ، وهو: لماذا عجزت الثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي والإمكانات الهائلة للعرب عن أن تجعلهم يتساوون مع الآخرين في التقدم الإيجابي، فضلاً عن أن يتقدموا عليهم.