د.دلال بنت مخلد الحربي
منذ فترة توجهت بعض الجامعات السعودية إلى التخلّص من بعض التخصصات الإنسانية مثل التاريخ والجغرافيا والاجتماع والمكتبات بحجة أن خريجيها لا يُستفاد منهم في سوق العمل؛ لأن التخصص لا يواكب احتياجات سوق العمل، ونتج عن هذا الربط إغلاق أقسام منها ثم أعيد فتحها من جديد، وتبرز بين فينة وأخرى أحاديث عن ضرورة إقفال أقسام بعينها.
مثل هذا الصراع في ظني أنه نابع من عدم التوافق بين القيادات في التعليم العالي وبين التنفيذيين في الجامعات، فالقيادات تنظر إلى الأمور من وجهة نظر اقتصادية ولها الحق؛ لأن مخرجات هذه الأقسام قد لا تكون مفيدة وهي في الغالب تتمسك بأمور قديمة في طرحها ومنهجها، وفي الوقت نفسه عجزت القيادات التنفيذية عن التطوير بما يتماشى مع روح العصر ومساراته.
ولعلي هنا أقتصر على تخصص التاريخ؛ وهو بين الأقسام المستهدفة، فلا شك أن الإبقاء على نمط التدريس والاحتفاظ بنفس المعلومات التي كانت تقدَّم من أربعين عاماً وأكثر وأن تبقى كما هي، ولا يُستفاد من معطيات الفترة الراهنة يؤدي دون شك إلى النظر إلى أقسام التاريخ على أنها غير مفيدة.
ولكن واقع الأمر أن التاريخ من التخصصات التي تحظى بالعناية في أغلب جامعات العالم، بل وجود هذا القسم ضرورة لأنه يخرِّج من يتولى تدريس مواد تتعلَّق بتاريخ الأمة وأحداث العالم، وقبل ذلك وبعده تدريس التاريخ الوطني وتعريف الإنسان به ليكون على علم بالكيفية التي تشكَّل عليها وطنه، كما يخرِّج من يتكون عنده قدرة على التحليل والاستنتاج وقراءة الأحداث بصورة دقيقة.
من هنا فإننا إن أردنا لأقسام التاريخ الاستمرارية فعلينا أن نعيد النظر في المواد التي تدرس فيها وطرق التدريس ومحتوى المواد وكيف تقدَّم، فهناك على سبيل المثال الكثير من أحداث التاريخ الإسلامي والعربي لم يعد الطالب المعاصر بحاجة لتفصيلاتها الدقيقة، بل هو بحاجة للتعليل الأكثر شمولاً ووضوحاً؛ وللقضايا المؤثِّرة والتحولات الكبرى في التاريخ العربي والإسلامي، وفتح المجال لدراسة تاريخ أمم وشعوب لها بروز كبير في هذا العصر وتملك تاريخاً عريقاً يفترض أن نستفيد من أحداثه.
وإذا أردنا لمثل هذه الأقسام أن ينظر إليها نظرة استمرار وبقاء فيجب أن لا تربط بسوق العمل والنظر إليه كضرورة معرفية يحتاج إليها الإنسان من جانب، ومن جانب آخر تطوير المعلومات الخاصة بها وتجديدها وتحريرها من التلقين إلى مساحات أوسع من التحليل والنقاش والعرض والربط بين أحداث الماضي والواقع المعاصر واستشراف المستقبل على نحو يتفق وروح العصر الذي نعيشه.