د. خيرية السقاف
كنت أمرُّ بقنوات فضائية بغية مشاهدة الأحداث في لبنان، لفتتني في قناة محلية شابة تقدِّم برنامجاِ يستهدف «حراك» الشباب في المجتمع، إذ كانت تتحرَّك في مساحة مسرح برنامجها، وهي تلقي بأسئلة «سطحية» للغاية على مجموعة من شباب، وشابات اصطفوا أمامها على جانبي مسرح البرنامج ليقولوا ما عندهم، لكنها تطرح السؤال، وتنتزع الإجابات من أفواههم، وقبل أن يتموا إجاباتهم تبتسرها، وتلقّنهم رأيها، وهي شبه ساخرة بابتساماتها من إجاباتهم، وكأنها لا تستوعب ما يقولون فتضيف رأيها وإن تناقض، وبعد عمّا يقصدون، ثم تنتقل لسؤال آخر قبل استيفاء الردود منهم..
ذكّرتني ببعض نماذج معلمات، ومعلمين في صفوف تدريسهم!..
ملأ صدري ضيق شديد، وراودني عجب كبير، أهذه النماذج من المذيعات؟..
تساءلت من ثم: كيف تم إجازة مثل هذا المحتوى؟ ولئن جاء الهدف من البرنامج من أجل معالجة مشكلات الشباب، أو إظهار قدراتهم في التعبير عن آرائهم، أو تحفيزهم نحو اكتساب قدرتهم على الحوار، وتقبلهم لآراء غيرهم، أو حتى حريتهم في التعبير عن مفاهيمهم للزواج، وللتعدد، وللمسؤولية الاجتماعية، والأسرية، ولتفرّدهم في اختيار شركائهم في الحياة، فإن الموضوع كان أكبر، وأوسع، من القدرات في تقديمه، حيث لم تستطع انتزاع إجابات ذات قيمة، أو تضفي آراء ذات فحوى مفيد..
ثم بالأمس تكرر الموقف ذاته، بمتابعة بعض ما جاء عن «فيحان» وما تعرض له في البرنامج ذاته، مع أن «فيحان» بطموحه قد ذكّرني بأننا كتبنا قبل حصولنا على الشهادات، وأفسح القراء لنا أمكنة في صدورهم، ومجالسهم، وأخذ مسؤولون بآرائنا ولمَّا كنا قد حملنا الثانوية التي يحملها «فيحان»!..
والسؤال يتسع للمؤسسة الإعلامية بجميع قنواتها المحلية: عن تلك المعايير التي يختارون وفق مسطرتها المذيعات تحديداً؟!..
أيكفي الوجه الحسن دون الخبرة المهنية، والثقافة العامة، ومقومات المذيع التلفزيوني الواجبة من المعرفة، واللغة، واللياقة، والثقافة، وآداب الحوار، والإلمام بحيثيات الفكرة التي يقدِّمون، والقدرة على الإضافة لمن يحاورون، وسعة الاطلاع عمَّا يتحدثون، ومهارة استلهام الموقف أمام المشاهدين؟!..
وفي هذا المحور أرى أن تعاد شروط اختيار من تقدِّم البرامج الحوارية، وتحديداً تلك التي تعنى بشؤون المجتمع، وأفراده، وقضاياه..
ولعل في الدورات التدريبية ما يعين باجتيازها على الحل، فهي وسيلة دورية لتمكين من تحظى بتنفيذ مهنة المذيعة على الفضاء من أدائها، وتعزيز مثولها أمام الجمهور..
هذه الدورات تقنن، وتتعاقب، ويخضع لها أيضاً من يرشح من الشباب للمهنة، بهدف اكتساب المزيد في الخبرة، وصقل المهارة، وتمكين المواكبة..