د. يوسف بن طراد السعدون
أصدر منتدى الاقتصاد العالمي، الشهر الماضي، تقريره السنوي عن التنافسية في السفر والسياحة (The Travel الجزيرة Tourism Competitiveness Report, 2019)، والذي استند في قياسه على 4 مؤشرات أساسية، هي: الموارد الطبيعية والثقافية، التجهيزات الأساسية المتصلة بالطيران والمواصلات الأرضية والبحرية وتجهيزات الخدمات السياحية، وسياسات السفر والسياحة المتعلقة بالانفتاح العالمي والأسعار التنافسية والمناخ، بالإضافة إلى متغيرات التمكين فيما يخص بيئة الأعمال والأمن والصحة والموارد البشرية. ومما يلفت الانتباه أن منطقة الشرق الأوسط سجلت أدني الدرجات عالمياً في مؤشر الموارد الطبيعية والثقافية، على الرغم من أنها تعد مهداً لأعرق الحضارات الإنسانية. وأرجع التقرير أسباب هذا الانخفاض في الدرجات إلى ما يواجه المنطقة من تحديات متصلة بالإرهاب وانخفاض الأمن والانفتاح على العالم. وقد تصدرت كل من إسبانيا وفرنسا وألمانيا على التوالي قائمة الدول، بينما تذيلت اليمن القائمة بالمرتبة 140.
وأوضح التقرير أن الهند ومصر وعمان استطاعت تحقيق تطوراً واضحاً في قدراتها التنافسية عما كان عليه الحال في العام السابق. حيث قفزت الهند بالترتيب العالمي من المرتبة 40 إلى 34، بينما قفزت مصر من المرتبة 74 إلى 65، وعمان من المرتبة 66 إلى 58. وأتت الإمارات العربية المتحدة في صدارة الدول العربية بالمرتبة 33، بينما تراجعت المملكة العربية السعودية 6 مراتب عن العام السابق ليصل ترتيبها إلى 69.
والترتيب الذي نالته المملكة، يعود بشكل أساسي لحداثة عهد صناعة السياحة لديها، ولو أنه لا يمثل الصورة المثلى لقدراتها وإمكاناتها الفعلية. فهي تحتضن عدداً كبيراً من المواقع الأثرية والتاريخية الفريدة التي تمثل سجلاً للحضارات المختلفة التي تعاقبت على أرض شبه الجزيرة العربية، وأبرزها تلك المتصلة بالدين الإسلامي الحنيف. وتتميز أيضاً بثراء وتنوع كبير في تراثها، ولديها الصحاري المترامية والجبال الشامخة والشواطئ الجميلة، وشعب مسلم محافظ كريم مضياف يعتز بعروبته.
وإدراكاً من حكومة المملكة للدور الذي يلعبه قطاع السياحة في الاقتصاد الوطني وما تكتنزه أرضها من ثروات متعددة في هذا المجال، أسندت إلى كل من وزارة الثقافة والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والهيئة العامة للترفيه، مهام تطوير هذه الصناعة وتنميتها لتكون في مصاف المراتب اللائقة بها. وقد أثمرت الجهود الحثيثة حتى الآن عن تأهيل ما يقارب 60 موقعاً أثرياً وتراثياً في مناطق المملكة المختلفة جاهزة لاستقبال السياح، وتطوير العديد من الأنظمة والتجهيزات والفعاليات المتصلة.
والمساعي متواصلة لتنمية قطاع السياحة السعودي.. ويتطلع الجميع إلى أن ترقى إنجازات الجهات المعنية لمستوى الطموحات المنشودة، في ظل ما يحظون به من دعم كبير ووضوح بالرؤية لمسارات الأهداف التي يرمي إليها الوطن. وهم قادرون بعون الله ثم بجهودهم المخلصة على تحقيقها. وعليهم، إذا ما أرادوا النجاح، الانطلاق من الثوابت الدينية والموروث الاجتماعي والثقافي والتاريخي، لبلورة هوية متميزة للسياحة في المملكة العربية السعودية، تستثمر ما تتمتع به من مقومات وطنية للجذب السياحي.. فالأمم لا تتباهى بأن تكوّن صورة مشابهة للأمم الأخرى، بل تسطع مكانتها السياحية بهويتها الخاصة التي تميزها.
لذلك، من المهم مواصلة المساعي نحو تطوير قطاع السياحة في المملكة، مع الحرص على تعزيز وترسيخ مرتكزات الهوية السياحية السعودية، ومنها:
1- تأهيل المواقع الأثرية والتراثية والتاريخية وتطوير التجهيزات والخدمات السياحية المتكاملة حولها. مع ضرورة إقرار تحديد واضح للأولويات وتوزيع الأدوار والمسؤوليات المتعلقة بهذا الأمر بين الجهات الحكومية المختلفة، ضمن خطة وبرنامج عمل شامل.
2- الحرص على منح المهندسين والمعماريين السعوديين سبق الريادة في تولي عمليات التصميم والإشراف المتصلة بتأسيس وتطوير مواقع التراث والمرافق السياحية السعودية، لمعرفتهم بالهوية العمرانية المحلية.
3- تأسيس الشركات السياحية المتمكنة في كل منطقة من مناطق المملكة، تشرف عليها مجالس المناطق، لتتولى حصرياً عمليات الإدارة والصيانة وتقديم وتسويق البرامج السياحية في مواقع الآثار والتراث والتاريخ ضمن نطاق نشاطها، ودعمها بالكوادر الوطنية الواعية والمدركة لكافة الأبعاد المتصلة بالخدمة السياحية.
4- دعم ومنح الأولوية في الاستثمار السياحي للمقومات المتاحة للجذب السياحي في المملكة. ومن أهم هذه المقومات المواقع الأثرية والتاريخية المتصلة بالدين الإسلامي الحنيف بمنطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، والمنتجعات السياحية الصحراوية، والأحياء القديمة، والأسواق الشعبية في المدن والقرى، والحرف والمنتوجات والفنون الشعبية.
5- المبادرة لتطوير وتسويق برامج سياحية متكاملة باسم سفاري الصحراء لاكتشاف فتنتها وجمالها وتقاليد العيش فيها. وتنظيم مسابقات دولية خاصة بكل من: صحراء الدهناء، أو صحراء النفوذ، أو صحراء الربع الخالي.
6- ثبات واستمرارية دورية الفعاليات والمهرجانات السنوية وإكسابها الطابع المحلي التراثي. وهذا يشمل ما يتصل بالفنون والموسيقى والحرف والألعاب والأغذية والأزياء وكافة ما يعرض من منتوجات البضائع والسلع في تلك المهرجانات.
7- إبراز هوية المطبخ السعودي وتنوع أطباقه، من خلال دعم العاملين في هذا المجال من أبناء وبنات الوطن وتشجيعهم على تطوير منتجاتهم وتسويقها وفقاً لأفضل المعايير المطبقة بالممارسات العالمية. وفي هذا الصدد من المناسب حث الفنادق العاملة بالمملكة على افتتاح مطاعم لديها مختصة بالأطباق السعودية.