محمد آل الشيخ
لا يمكن قراءة ما يجري في لبنان هذه الأيام دون قراءة ما جرى في العراق في الأسابيع الأخيرة، وربط الحالتين بالعقوبات الأمريكية التي تختنق إيران منها، والتي جعلت قدرتها على تمويل حلفائها في المنطقة تنحدر إلى هذا القدر غير المسبوق، وكما سبق أن توقعت أن تقوم الولايات المتحدة بالبدء بتكسير أذرعة إيران الإرهابية، وكبح جماح ميلشياتها كخطوة أولى تضطرها راغمة إلى الجلوس مضطرة مع الأمريكيين على طاولة المفاوضات، والخروج باتفاق جديد يشمل إضافة إلى مراقبة مفاعلاتها النووية، إنتاجها الصواريخ بمختلف أنواعها، وكذلك ضبط سلوكياتها الثورية، وتدخلاتها في المنطقة، وبالذات في شؤون جيرانها الذين ذاقوا منها على مدى أربعة عقود خلت الأمرين.
ثورة الجياع في لبنان كانت في عمقها ثورة اقتصادية لكن سببها ومحركها التخبط السياسي الذي كان يمارسه حزب الله، على اعتبار أن حسن نصر الله هو الذي يُملي على السلطات الثلاث الحاكمة في لبنان كل صغيرة وكبيرة، وليس رئيس الجمهورية عون أو رئيس الوزراء سعد الحريري أو رئيس البرلمان نبيه بري إلا مجرد بيادق يحركها حزب الله ومن خلفه حكومة الولي الفقيه في طهران.
أهم ما رشح من ثورة الجياع هذه في لبنان مدى التذمر والمعاناة المعيشية التي يعاني منها اللبنانيون بمختلف طوائفهم، نتيجة (احتلال) دولة الولي الفقيه الإيرانية للبنان، ولعل امتداد هذا التمرد والرفض إلى البيئات الحاضنة للشيعة يعني الكثير، ويشير إلى أن حزب الله، وكذلك حركة أمل الشيعية، قد فقدتا قدرتهما على التحكم بهذه البيئة، ولم يعد لهما (الهيبة) ناهيك عن المكانة الشعبية التي كانتا تعول عليهما كثيراً، ولا يمكن المرور بهذا التمرد والغضب غير المسبوق دون الإشارة إلى أن العقوبات الأمريكية قد فعلت مفعولها وآتت أكلها كما ينبغي وساهمت في شلل التمويل الإيراني الذي كان يتكئ عليه شيعة لبنان. وقد سبق وأن ذكرت في مقال لي كتبته قبل أيام أن الأمريكيين بعد مراقبة وحصار حزب الله، بدؤوا في مواجهة إيران وحصارها من خلال إضعاف أذرعتها في المنطقة، وهذا على ما يبدو ما جرى في العراق أولاً وفي لبنان ثانياً، لأن حصار ميليشيات إيران يضربها في مقتل، وهذه البيئة التي تسيطر عليها الميليشيات تعتبر ذراعها الإرهابية الذي تعتمد عليه كثيراً، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى إضعاف إيران وإفشال مشروعها التوسعي في المنطقة، بعد أن صرفت عليه مئات المليارات على مدى أربعة قرون.
وحسب متابعتي لمجريات الانتفاضة اللبنانية يمكن القول إن مواجهة هذه الانتفاضة العارمة التي زلزلت لبنان أمر شبه مستحيل، إذا لم يكن مستحيلاً بالفعل، فقد أغفلت حكومة حزب الله الحاكمة الالتفات لمشاكل الإنسان اللبناني، ووجهت كل إمكاناتها إلى إعانة حكومة الولي الفقيه في مشروعها التوسعي، غير آبهة بتذمر اللبنانيين وتدهور وضعهم الاقتصادي، وكأنها (ضامنة) سيطرتها عليهم من خلال تحكمها في الطبقة السياسية اللبنانية، توجهها حيثما كانت مصلحة الولي الفقيه في طهران، غير أنها اكتشفت، وربما متأخرة، أن الطبقة اللبنانية التي كانت تعتقد أنهم رهن إشارتها أوهن من بيت العنكبوت، وأضعف مما كانوا يتصورون، فالشعوب إذا جاعت ثم ثارت لا يمكن لكائن من كان أن يقف في وجهها كما علمنا التاريخ أكثر من مرة.
بقي أن أقول إن ثورة الجياع في لبنان تؤكد بشكل واضح أن (شرعية بقاء الدول) واستمرارها هو الاقتصاد أولاً والاقتصاد أخيراً.
إلى اللقاء