فضل بن سعد البوعينين
لم تتوقف قصص الاستهداف والانتقاص من شركة أرامكو السعودية منذ إعلان طرحها للاكتتاب العام. تسابق محموم من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام لتشويه الطرح العام، والنيل من أرامكو، والضغط على مُلاكها بطرق مختلفة، تدفعهم مؤسسات مالية غربية وصناديق، ومستثمرون تتملكهم الرغبة بالحصول عليها بأبخس الأثمان، ولا يترددون في استغلال شركات الاستشارات العالمية وبيوت الخبرة في تحقيق أهدافهم المرسومة.
قد لا يقبل البعض مثل هذا الطرح إلا أن القطاع المالي العالمي أشبه بالغابة التي تحكمها القوة، وتسودها ثقافة الافتراس بعيدًا عن الأخلاق والنوايا الحسنة وتقاسم الأرباح.
عرضت MBCMAX الأسبوع الماضي أكثر من فيلم عن أزمة 2008 المالية. ولا أعلم سبب تركيزها على تلك الأفلام في مثل هذا الوقت بالتحديد؛ ربما توجسًا مما يحدث في القطاع المالي العالمي المهدد بالانفجار، أو ربما عرضًا لا أكثر ولا أقل.
يظهر في تلك الأفلام المنقولة عن الواقع جشع القطاع المالي، وكبار المستثمرين والبنوك الأمريكية، وقبولهم بالتضحية بالنظام المالي العالمي وتدمير الاقتصاد في مقابل حماية مصالحهم الخاصة. كما يظهر فيها خبث المستشارين الذين قدَّموا استشارات ملغومة لعملائهم من أجل الحصول على عمولات ضخمة من عمليات بيع أسهم وسندات لشركات وصناديق مهددة بالإفلاس. لم يقتصر الأمر على الجهات الاستشارية والمصارف والشركات المالية، بل طال وكالات التصنيف العالمية التي أسهمت في إعطاء تقييم غير حقيقي لشركات مهددة بالإفلاس، وهو ما أثبتته المحاكم الأمريكية لاحقًا.
وإذا كانت مصلحة البنوك والمؤسسات المالية الغربية تقتضي تسويق السندات والأسهم الملغومة في ذلك الوقت، بهدف التخارج وتحويل الخسائر لمستثمرين آخرين، فإن مصلحتهم اليوم تكمن في الضغط على أرامكو بقصد خفض قيمتها الحقيقية، والحصول على أسهمها بأسعار متدنية جدًّا، وربما التأثير على الاقتصاد الكلي والسوق المالية.
ومن أغرب القصص الإخبارية الجديدة حول اكتتاب أرامكو قصة «تدمير الكوكب» التي بدأت بعض الجماعات البيئية الغربية بتسويقها من خلال CNN ووكالات ومحطات تلفزة غربية. تجاهلت تلك الجماعات المحطات والأسلحة النووية حول العالم، والتلوث الذي تُحدثه الدول الصناعية، وتصدير المخلفات النووية إلى الدول الفقيرة والمضطربة أمنيًّا لطمرها في أراضيها، ومافيا الأسلحة والأدوية التي تعيث في الأرض فسادًا، وآلية استخراج النفط الصخري المدمِّر للبيئة والمزدهر في الولايات المتحدة، وشركات النفط الأمريكية، وركزت على أرامكو السعودية التي تأتي في أعلى التصنيف العالمي للشركات النفطية في معالجة التلوث وخفض الانبعاثات الضارة بالبيئة، والمصاحبة لعمليات الإنتاج.
أجزم أنها مرحلة من مراحل الضغط والتشويه، ولكل مرحلة أدواتها الخاصة.. وأحسب أن مراكز الضغط، بالرغم من تجنيها ونشرها الشائعات لزعزعة الثقة، وتأليبها الرأي العام، إلا أنها تقدم للمملكة خدمة جليلة، تتمثل في إبراز المخاطر المتوقعة لطرح أرامكو؛ وهو ما يساعد متخذ القرار على التحوط منها مستقبلاً. {... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.