رجاء العتيبي
لم نكن نتوقع أن التراث الشعبي سيكون له كل هذه الحظوة وهذا الاهتمام، ففي يوم ما كان التراث شبه محظور وكان يعمل في نطاق ضيق، وكان البعض ينظر إليه نظرة مريبة، فكان مصيره التهميش والتشويش، وكان مصير العاملين فيه في آخر القائمة.
كان المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي بدأ في منتصف الثمانيات الميلادية خطوة جريئة في بيئة لا تحفل بالتراث والثقافة والفنون، وكانت رئاسة الحرس الوطني في حينها التي تتولى تنظيم المهرجان من القوة بمكان ما جعلها تستمر في إحيائه سنوياً، رغم كل الهجوم الذي شنه عليها بعض المتشددين دينياً باعتبار التراث يتعارض مع تصورهم للدين الذي يرى التراث انحرافاً عن جادة الصوب.
لم يكن الطريق ممهداً بالورود عندما بدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الاهتمام بالتراث قبل 19 عاماً, ولكنها صمدت واستمرت في رسالتها حتى عبرت به قارات العالم وأوصلته مع عدد من الجهات المعنية, مثل : جمعية المحافظة على التراث إلى أن يسجل في قائمة التراث العالمي باليونسكو كتراث سعودي.
كانت هناك جهود ريادية : مؤسساتية وجمعيات وأفراد جعلت للتراث قيمة ومعنى وأهمية، مثل : وزارة التعليم ممثلاة بوكالة الآثار والمتاحف, جمعية اللهجات والتراث الشعبي بجامعة الملك سعود, وجمعيات الثقافة والفنون بجميع فروعها, والقرى التراثية في أكثر من مدينة سعودية, وباحثين ومهمتين بالتراث وجامعين له, في مقدمتهم د. سعد الصويان, وعبد الكريم الجهيمان, وغيرهما.
وجاءت مؤخراً الجمعية السعودية للمحافظة على التراث لتؤسس التراث بشكل علمي وتتوسع أنشطتها لتشمل جميع مناطق المملكة، ثم الهيئة الملكية لمحافظة العلا التي تهدف للمحافظة على محافظة العلا كقيمة تاريخية وبما تشتمل عليه من مواقع أثرية. وأخيراً مادة علمية (التراث السعودي) تدرس كمادة حرة بجامعة اليمامة قبل سنتين وحتى الآن.
الممارسات في التراث وأنشطته ومهرجاناته ومؤسساته ورواده لا يتسع لرصدها مقال في جريدة، ولكنه استعراض من الذاكرة يشير إلى أن الوضع ليس كما كان في السابق، بات التراث على مستوى الدولة والمؤسسات والأفراد له قيمة عليا، وشكلاً حضارياً آخر يجعلنا منتجين للتراث، ولا سيما أن المملكة تملك عمقاً تاريخياً وتراثاً متنوعاً وثقافات مختلفة تشكل في مجملها محفزا للسياحة والاستثمار والإبداع.
لهذا تأتي مسابقة الفلكلور الشعبي التي أطلقتها وزارة الثقافة مؤخراً ضمن هذا الإطار بجوائز تتجاوز المليون ريال، وامتداداً للجهود التي بذلتها الجهات السابقة وتأكيداً على أهمية التراث والمحافظة عليه والتعريف به على نطاق أوسع ومحفزا للجيل الجديد ليكونوا جزءاً من الحراك التراثي في المملكة.
التسجيل ما زال قائماً من خلال موقع المسابقة على الإنترنت حتى منتصف نوفمبر 2019, والنتائج في 16 يناير 2020م. ويمكن المشاركة في ثلاثة مجالات : الرقص الشعبي, الأغنية الشعبية, الحكايات الشعبية, ويمكن زيارة الموقع لمزيد من التفاصيل.
المسابقة تعد إحدى مبادرات الوزارة في مجال التراث، إلى جانب مبادرات أخرى تجعل من التراث حكاية سعودية ترويها الأجيال.