د. حسن بن فهد الهويمل
العقلاء العالمون المجربون المحبون للسلام لا يتمنون لقاء العدو, ويسألون الله العافية, والسلامة. فما في الحرب، الباردة أو الساخنة، إلا الويل, والثبور, وعظائم الأمور.
هذه الأماني لا تدوم؛ لأن هناك أشقياء لا يعيشون إلا في أتون الفتن.
ثم إن هناك فتناً للابتلاء, والامتحان, والتمحيص:- {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ}.
لقد فُتِنَت أمم, وعَلِمَ الله الصادقَ من الكاذب. وكم من رسول أوذي حتى يقول:- {مَتَى نَصْرُ اللّهِ}.
الحياة مسرح للامتحان, والابتلاء. والصراع المستعر بين الحق الأبلج والباطل المتلجلج قائمٌ ما أقام عسيب. {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}.
دولة مسالمة, تعطي, ولا تأخذ، تأسو, وتواسي, وتتألم, وتُبَلِّغ عن الله, وتستقيم على أمره.. تُصْلح, ولا تُفْسد.. وأناس أتقياء أزكياء:- {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} يُحارَبُون باللسان والسنان من جهلة, ومنحرفين, ومأجورين. وكلما بدر منهم فعل للنفع, أو الانتفاع حُرِّف عن سبيله, ولُبِّس على الناس فيه, حتى يروا حسناً ما ليس بالحسن.
خطورة الأمر تكمن في مغفلين, سماعين للكذب, لا يتحرون, ولا يستبرئون لدينهم, ولا لأعراضهم {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}. إنهم الخطر؛ لأنهم يمثلون تربص المنافقين {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئونَ}.
بعض الراصدين للأحداث السياسية لا يبحثون عن الحق لينصروه, ولا عن الصدق ليعضدوه؛ إذ كل راصد مرتهن لنسقه الثقافي, وانتمائه الحزبي, أو الطائفي:- {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون}.
يراك المتعصب على الحق الصراح, ثم لا يقبل منك صرفاً, ولا عدلاً؛ لأن ثباتك, وحسن قصدك, يَدُكَّان حصونه, ويثبِّطان عزائمه, ويُفْشلان مقاصده, ويكشفان عن سوءاته؛ ومن ثم يسلقك بألسنة حداد, يفتري الكذب, ويتعمَّد التشويه, ولا يكل من اللمز, والهمز, والغمز, والتنابز بالألقاب. وما تخفي الصدور من غل وحقد أكبر.
إنها سُنة الله في خلقه:- {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}، و{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}. إنه الابتلاء, والامتحان.
الصراع إكسير الحياة, وقليل من الناس من يحسن إدارته, والخلوص من الكذب, وقلب الحقائق.
الحياة قيم. وقيمة الإنسان معنوية, لا حسية. وأهم قيمة تسمو بماديات الإنسان الأخلاق:-
وإنَّما الأممُ الأخلاقُ مَا بَقِيَتْ
فإن هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهم ذَهَبوا
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم}. لم يفضله بالشجاعة, ولا بالكرم. وهو في القمة منهما.
(الإيمان) و(الخلق) جناحان، يخفق بهما الإنسان في سماوات الإنسانية:-
إذا الإيمانُ ضَاعَ فَلا أمَانُ
ولا دُنْيا لِمَنْ لم يحي دِيْنا
(المؤمن ليس بالطَّعان, ولا باللَّعان).
لقد حث الإسلام على الكلمة الطيبة, والقول الحسن:- {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ}، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناًً}.
أعداؤنا يكيدون لنا عبر كل وسائل الإعلام, وما تُخفي صدورهم أكبر. ولو تصدينا لكل ناعق لأضعنا الجهد, والمال, والوقت.. غير أن تكثيف الحملات, وجَلَد الفجار، سيكون لهما أثرهما, فما كل متلقٍّ يتثبَّت, وما كل سامع أهلاً للتأمل, وربط القول بالواقع.
هي حرب ضروس من صدور تملؤها الأحقاد, والضغائن.
وما نقول إلا:- (حسبنا الله ونعم الوكيل).