أ.د.عثمان بن صالح العامر
كثيرون لا يعلمون كيف تولدت عندهم قناعات تهز الجبال، وآخرون لا يعرفون أن ما يمارسونه في حياتهم من سلوكيات وما يتحدثون به ويصرحون هي قناعات ترسخت لديهم بطريقة أو بأخرى منذ زمن الميلاد، ولكن هؤلاء وأولئك يمكنهم على حد سواء التخلي عن قناعاتهم الحياتية السلوكية والمعيشية والاستعاضة بغيرها متى ما شعروا بضرورة ذلك، خلاف القناعات العقدية الإسلامية الصحيحة التي هي أقوى القناعات -في نظري- ولا يمكن أن تتزحزح عن مكانها في ذهنية صاحبها قيد أنملة إلا بصعوبة بالغة وبعد صراع طويل وصدام شاق، يكفي أنها هي التي تربطك بالغيب المطلق منه والنسبي الذي هو أكثر اتساعاً وتنوعاً عن عالم الشهادة كما هو معلوم، ولذلك فالله سبحانه وتعالى قد يقرب لك ما غاب عنك بصورة مادية مشاهدة ومحسوسة حتى يوصل الحالة المستقبلية بما هو بالنسبة لك في هذه الدنيا رؤيا العين، كما هو الحال في أمر البعث الذي قال الله تعالى فيه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (39) سورة فصلت.
إن جيل اليوم يتعرضون لهزة عنيفة في قناعاتهم العقدية الصحيحة التي رضعوها منذ لحظة الميلاد وحتى شبوا على الطوق، تربوا عليها في بيوتهم حين الصغر، ودرسوها بمدارسهم عندما بلغوا السابعة من العمر، وسمعوها بكل تفاصيلها من منبر الجمعة ومن الناس حولهم، والمفترض والمتوقع أن تكون عندهم الحصانة القوية التي تتصدى لأي هزة تريد أن تقتلعهم من جذورهم الدينية، ولكن للأسف وجد من شبابنا وفتياتنا من تأثر بما يطرح في العالم الافتراضي من أفكار إلحادية ويسوق لها على أنها من باب الحرية الشخصية، حتى صرنا نسمع من يشكك ببعض أمور الغيب، بل ربما شك بوجود الرب والعياذ بالله.
ومع أن هذه ليست ظاهرة في بلادنا المملكة العربية السعودية بلد التوحيد والعقيدة السلفية الوسطية الصحيحة إلا أن وجود ولو حالات معدودة، وتقبل مثل هذه الأفكار الخطيرة من قبل البعض يجعل أمر مدارسة ما استجد والتفكير به ومناقشته من قبل التربويين والمصلحين وأهل الاختصاص أمراً ضرورياً، خاصة أن التوحيد يدرس للطالب طوال سنواته التعليمية العامة منها والجامعية، ومع ذلك وجد من طلابنا وطالباتنا من يتقبل الأطروحات الإلحادية للأسف الشديد.
لابد أن نعيد النظر في طرائق التدريس لهذا التخصص الهام، ونفكر بجد في الوسائل التعليمية المساندة المستخدمة من قبل المعلم لتقريب عالم الغيب، وفِي المرحلة الجامعية من الضروري أن ينبري الأكاديمي للرد على الشبه بمنهج علمي صحيح وبأسلوب سهل وواضح بسيط مستنداً على الأدلة النقلية والعقلية التي تلجم الشكاك وتخرس الملاحدة وتفند الأراجيف والأقاويل الباطلة المحرضة على الانفلات من الدين الصحيح والولوج لعالم اللادين التي يقف خلف التسويق له والترويج لرموزه الغربيين - أصحاب الأهواء الباطلة والشبه الفاسدة - فئام من بني جلدتنا يتحدثون بلساننا وربما يعيشون معنا ويأكلون من خيرات بلادنا للأسف الشديد.
كما أن على المؤسسات المعنية بالفكر والثقافة أن تولي هذا الأمر جل اهتمامها، ومن باب أولى العلماء ومراكز الأبحاث العقدية والشرعية فهم الموقعون عن الله، ورثة الأنبياء، خط الدفاع الأول عن عقيدة أهل السنة والجماعة الصحيحة في كل آن وحين وعلى وجه الخصوص في هذا الزمن الذي يسرت فيه السوشل ميديا سريان الأفكار والعقائد بين الناس بشكل لم يسبق له مثيل، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.