د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
المساجد بيوت الله ولذا يجب أن تكون واسعة ومريحة ونظيفة وبها مرافق جيدة. ولكن وفي ظل الترشيد الذي يطال الوطن والمواطن، وظل ارتفاع أسعار الكهرباء والمياه لأسعار غير مسبوقة، يجب أن نحرص على عدم هدر الطاقة والمياه في المساجد أيضًا. فهناك بلا شك مساجد وجوامع في الأحياء كجزء من التخطيط الحضري للأحياء، ولكن هناك ضعف هذا العدد من المساجد التي يتبرع بها أهل الخير. وعندما يتبرع مواطن ببناء مسجد فهو يدخله على وزارة الشئون الإسلامية لتتكفل بمصاريفه من أئمة، ومؤذنين، وغير ذلك.. وفي العقود الأخيرة جرت العادة أن تبنى فلتان متجاورتان لصيقتان بالمسجد للإمام والمؤذن ليتسنى لهما مباشرة المسجد.
ويوجد عادة في جوار مسجد دورات مياه وأماكن وضوء مزودة بمياه حلوة طهور كما أمر بذلك ديننا الإسلامي. دورات المياه في المساجد عادة لا تخضع للصيانة المطلوبة ولا يراقب هدر المياه فيها وعلى وجه الخصوص من العمالة التي تترك الصنبور يضرب بأعلى قدرته ويتعاقبون عليه دون إغلاقه. فلدى بعض العمالة الوافدة من بلدان بها وفرة ماء فكرة غريبة عن الوضوء تقترب تقريبًا من غسل جميع أجزاء الجسم بكم مهول من الماء. وعندما يدخل بعضهم دورات المياه يخرج ويترك المياه مفتوحة. وبعض العمالة تستخدم المساجد كأماكن نظافة بعد انتهاء عملها في المواقع المجاورة.
وقد مررت مؤخرًا بقرب مسجد في حي من أحياء الرياض ولاحظت نهراً من المياه يجري في الشارع.. ثم لاحظت مصدر المياه وإذا هو المسجد الضخم الذي تحيط به ساحة ضخمة وممرات تؤدي لفلل المؤذن والإمام ممرات بحجم شوارع، وإذا بحارس آسيوي يغسل هذه المساحة الضخمة بلي ماء طويل والماء يندفع منه بقوة كبيرة. توقفت وقلت له هذا لا يجوز، فأجابني بأن هذه تعاليم الإمام!!.. ثم شاهدت بكرة مثبتة على جدار جانبي خرج منها ذلك اللي الطويل، مما يدلل أن الغسيل يومي. ثم تذكرت مرة أني مررت على دورات مياه لمسجد ووجدت جميع صنابيرها مفتوحة لأعلى درجة والمياه تذهب للبالوعة، فقد مر أحدهم على دورات المياه ووجدها ربما مقطوعة ففتحها جميعها قبل أن يغادر ويتركها.
الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أمرنا أن نقتصد ولو كنا على نهر جار.. وكنت أتذكر جدي -رحمة الله عليه-، وكان قاضيًا وفقيهاً ورعًا وإمامًا لمسجد الحي أيضاً، يأمرنا بأن نقتصد في الماء ونحن نصب عليه ليغتسل، وكان يكرر بالعامية كلمتي: «اقنع» أي قلل، و»طمن» أي انزل بالإناء حتى لا يهدر المياه.. وكان لا يمل من تكرار نصحنا بأن نقتصد في الماء لأن ذلك سنة متبعة.. ثم تذكرت الإمام الذي، هداه الله، يأمر حارس المسجد وطريق سكنه بالماء بدلاً من أن ينشر الثقافة الإسلامية الصحيحة بترشيد المياه.
نحن رغم عدد المساجد الكبير ولله الحمد لم نفكر بعد في وسائل الاقتصاد في الماء والكهرباء فيها.. فلا زالت المساجد تكيف بكامل مساحتها ليصلي عدد قليل من الناس فيها.. ولا زالت تضاء بالثريات الضخمة التي تحوي عدداً كبيراً من لمبات الإضاءة التقليدية القديمة التي تهدر الكهرباء بدلاً من لمبات «الليد» الموفرة للطاقة.. ويترك التكييف يعمل والإضاءة مضاءة في بعض المساجد حتى ما بعد صلاة العشاء. ومهما كانت الجهة التي تتحمل تكلفة هذه المساجد، فلا بد من الترشيد، لأن الإسراف يتناقض مع مبادئ الإسلام التي تمثله المساجد. ولعل الجهات المعنية تكلف من يعمل دراسة لترشيد كهرباء ومياه المساجد بما يكفل راحة المصلين، ووجود الماء الكافي للوضوء دونما هدر.. ولعل ذلك يكون جزءاً من مهمات الإمام والمؤذن لأن سكنهما بجوار المسجد. والأمر لا يتعلق بالمساجد فقط ولكن أيضًا بكافة الأماكن العامة التي تتحمل الدولة أو شركات المياه قيمة هدرها.