خالد بن حمد المالك
ما يجري في لبنان هو ثورة على الفساد، ثورة على اختطاف حزب الله للبنان ومصادرته لصالح إيران، وهو أخيرًا لا آخرًا ثورة على رموز السلطة في رئاساتها الثلاث، ما يعني أن لبنان على موعد مع إصلاحات واسعة وحقيقية لن يستطيع المهيمنون على السلطة الحيلولة دون تحقيقها، طالما استمر هدير الشارع بهذا الرتم من القوة والإصرار، رافضًا حلول التهدئة التي ليس لها من هدف سوى تفريغ الشارع من المتظاهرين، ومن ثم استمرار الوضع الفاسد على ما هو عليه.
* *
بمراجعة للحالة اللبنانية سنجد أن لبنان ليس سيدًا كما يدّعي أنصار حزب الله وأمينه، وإنما هو رهينة بيد هذا الحزب العميل، وأن رئيس الدولة لا يهش ولا ينش، وليس له إلا القبول بما يمليه عليه حسن نصر الله، بما في ذلك أن تكون بيروت ضمن العواصم الإيرانية التي لطهران حق السيطرة على القرار فيها، معتمدة في ذلك على حزب الله العميل لها، الذي لا يتردد أمينه العام في تكرار القول بأن إيران هي مرجعية الحزب، وأن تمويله بالمال والسلاح يتم من إيران أيضًا.
* *
لقد ضاق المواطن اللبناني ذرعًا من الفساد المتفشي ورموزه، ومن المحاصصة، والفئوية، والحزبية، والمذهبية، وسرقة المال العام، وإقصاء البلاد عن محيطها العربي، وخلق عداوات لها مع دول شقيقة داعمة، ومن البطالة، والديون، وشح الوظائف، بما كان سببًا في هذه الثورة العارمة التي يشارك فيها كل أطياف الشعب اللبناني الشقيق، بما فيها تلك التابعة للأحزاب، وتحديدًا الشرفاء في حزب الله وشقيقه حزب أمل اللذان يدينان بالولاء لإيران والتبعية لها.
* *
نتفهم جيداً التزام المواطن اللبناني من دون رضاه بالصمت على مدى سنوات أمام جرائم حزب الله، وجرِّه البلاد لتكون تابعة لإيران، لأن أي محاولة للعصيان أو التظاهر ضد توجهات حزب الله المشبوهة، كانت ستواجه بالقمع من ميلشيا الحزب، غير أن البلاد وقد وصلت إلى ما وصلت إليه، وقد بلغت مشاكلها كما (السيل الزبا) لم يعد بمقدور هذا المواطن الجائع أن يكون في حالة خوف أو تردد في إظهار غضبه من الوضع المتردي في البلاد، فكان هذا الحشد الكبير من المتظاهرين الذي رفض كل حلول التهدئة، وأصر على تخليص البلاد من القابض على كرسيه في قصر بعبدا، ومن كل المسؤولين السياسيين الفاسدين في الحكومة والأحزاب.
* *
لقد تزامن مع هذه الثورة خروج حسن نصر الله من مكان اختفائه ليهدِّد ويزبد ويتوعَّد كل من يحاول المساس برئاسة عون للبنان، معلناً أن عناصر حزب الله سوف تنزل إلى الشارع بقوة، وتغيِّر مسار الثورة إن حدث ذلك، كما هدَّد بمحاكمة كل من يستقيل من الحكومة، بزعمه أن استقالة الحكومة سوف تجر البلاد إلى المجهول، متناسيًا أن هناك من عناصر حزب الله الشرفاء من يشارك في هذه الثورة، وأن أي مغامرة للحزب لتطويق ما يجري وإفشاله لن تنجح، إذ لم يعد الأمر بيده كما كان ذلك يحدث من قبل.
* *
هذا الحراك الشعبي، يرفض بقوة هيمنة الرئيس والحكومة والأحزاب على القرار في لبنان، مطالبًا بإصلاحات على رأسها فتح المجال أمام انتخابات نيابية ورئاسية وتشكيل حكومة جديدة، بينما يأتي حسن نصر الله ليهدِّد ويتوعَّد من التوجه نحو استقالة أو إسقاط الحكومة، ومن التفكير بانتخابات برلمانية ورئاسية، وكأن لبنان ليست دولة مستقلة، وكأنها - كما يريدها أمين حزب الله - جزء من إيران، غير مكترث بصوت الشارع، وأنه لم يعد مباليًا بتخويفه بعد أن أظهر هذا الشعب أنه معادلة صعبة في صناعة مستقبل لبنان.
* *
وبنظرنا فإن ما نراه الآن يضعنا أمام بداية تغيير شامل في لبنان، لكن من المهم أن تكون من الأولويات لدى الثوار في هذه المرحلة إنهاء حزب الله تمامًا، وإقصاء كل العملاء في الأحزاب الأخرى من أي دور في مستقبل لبنان، ومن المهم أيضًا الحذر من المندسين الذين يحاولون إفشال الثورة، وأن تظل المظاهرات في تصاعد حتى تتحقق المطالب، دون النظر إلى صمت الرئيس عون أمام ما يجري وكأن الأمر لا يعنيه، ومثله بعض السياسيين الذين يحاولون الالتفاف على الثورة، بحلول للتهدئة، ووعود لا تحقق السقف الأعلى من مطالب المواطنين، ولا تخلِّص لبنان من العملاء الذين لا تهمهم مصلحة بلادهم، بقدر ما يهمهم خدمة مصالح مرجعيتهم إيران.