عبدالعزيز السماري
كان تاريخنا القديم حافلاً بثقافة التدوين، فالفقهاء كانوا يدونون أحكامهم وإصداراتهم، وإن تأخرت كثيراً في الماضي، لكنها تداركت تأخرها بتعدد المدارس ورصد الأحكام، وكانت الدولة في ذلك الزمن لا تهتم بالمدارس الفقهية، وبأهمية التدوين، والمرحلة الحالية من العصر تستدعي إصدار مجلدات من الأنظمة لرفع الوعي بها، ولسهولة تطبيقها على الجميع.
تساهم الشفوية في دخول المصالح الشخصية في مجال العمل، فالأمر عند البعض يبدو، وكأنه تكرم من قبل المسؤول إن شاء حل القضية، أو إن شاء عطلها، ويوجد كثير من المعاملات التي سكنت الأرفف بسبب مزاجية المدير، وفي إصلاح ذلك نفع كبير للمواطنين، ودعوة لرفع القضايا على أولئك الذين يعطلون من مصالح المواطن.
يواجه البعض اختلافاً في فهم النظام من موظف لآخر في نفس الدائرة، والاختلاف قد يكون أحياناً جذري، وفي ذلك دعوة لفهم هذا التناقض والاختلاف في فهم النظام، ويبدو وجه الغرابة في عدم وجود مراجع للنظام في الدائرة، لتضييق الخناق على سوء الفهم والمصالح والمواقف الشخصية.
يستغل البعض الشفوية في تعطيل خدمات وحقوق المواطن، فالرد السلبي أو الرافض لإتمام معاملة المواطن يكون في أغلب الأحيان شفوياً، والموظف غير ملزم بتسليم المواطن رد مكتوب عن سبب رفضه لإكمال الخدمة للمواطن، ولو حدث ذلك لارتفعت مستويات الخدمات، ولقضي على الانتهاكات غير النظامية للنظام.
أستغرب في كثير من الأحيان تلك الطمأنينة التي يتمتع بها بعض الموظفين الذين يعطلون معاملات عن قصد، على طريقة من يأمن العقوبة يتلاعب بالنظام، لذلك لابد من إصلاح الشفوية في الدوائر الخدمية والقضاء، ويكون ذلك أولاً بإصدار الأنظمة في مجلدات لكل دائرة، وإلزام القضاة وكتاب العدل بتدوين مرجعية أحكامهم، وأيضاً أن يُلزم المسؤول في الإدارة في أن يقدم رداً مكتوباً للمواطن الذي يبحث عن حقوقه في حال رفضه أو اعتقاده عدم استحقاقه.
الشفوية عائق أمام مصالح الناس، وتعني عدم وضوح الرؤية عند صاحب القضية، وما يلفت النظر في بعض المعاملات اليومية أن بعض مديري الخدمات وكتّاب العدل يعتمدون على الذاكرة من أجل إصدار قرار أو حكم، وقد يتضرر المواطن كثيراً بسبب اختلاف القرارات وفهم الأنظمة بين شخص وآخر.
خلاصة الأمر.. أن الشفوية هي تلك المساحة المشغولة بالمنافع والمصالح الشخصية غير المرئية، والتي يستغلها بعض ضعاف النفوس لتمرير مصالحهم ومشاعرهم ومواقفهم الشخصية من المواطن، وهي أحد أهم أبواب الذرائع التي يجب سدها مطلقاً أمام بعض المسؤولين، الذين نالوا الثقة الوطنية من قبل الدولة، وهم غير مؤهلين لها.. حفظ الله بلادنا من كل سوء.