د. خيرية السقاف
المتأمل في بركان لبنان المنفجر، وتدفق حمم الشعب اللبناني المندلق كالشلال في شوارع مدنها، وطرقاتها، على امتداد تفاصيلها، باختلاف طوائفهم، وأحزابهم، وأديانهم، وقناعاتهم، وأقنعتهم، ومعتقداتهم، وأفكارهم، وأصوات غضبهم، وانفجار آرائهم، متفقين، ومختلفين في الرأي، وفي مصير القرار..
ثم يتأمل في الشجر الأخضر الكثيف، وهو كما هو شامخ، ممتد، أخضر، مزهر، يتهادى مع النسائم، ويفيء على من يعبر بظله، غير مكترث لشغب البشر، ولا لمطامحهم،
ولا لهذا الوقيد المستعر بينهم، بكل هذه الأصوات فيهم، الممزقة حناجرهم،
ولكل الأماني المكتظة في صدورهم،
بأسفهم، وبرضاهم، بغضبهم، وبحنقهم، بحاجاتهم، وبشتاتهم،
بجمالهم المحترق، وبثقافتهم المقتحَمَة،
برقيهم المنخدش، وبوحدتهم الممزقة، بسلامهم المطعون، وبأمنهم المخترق،
وبكل هذا التراكم الذي استوى فانفجر به الوعاء في أشد لحظات ضغطه،
ومنتهى نفاد احتماله..
هذا المتأمل المشهد النهائي يرى الشجر الأخضر شاهداً على ناموس الكون العظيم..
على الذي لا يجعل له الإنسانُ وهو سادر في غاياته، وهو منغمس في غاياته حيزاً من وعيه..
هذا الإنسان؛ إنسان المقعد والسلطة، إنسان المطمع، والغاية، وإنسان الخلاف، والاختلاف،
بل أيضاً إنسان الحياة المطلق، من يأخذه البركان لوقيد الشارع، ودرك الرماد...
أما الشجر فوحده يقول شيئاً عن الحياة في على الجادة، والجبل، وفي المنعطفات!!..