د.عبدالله مناع
بعد ثلاثة عشر عاماً من «حكم» «نتنياهو» لـ«لدولة إسرائيل».. كرئيس لوزرائها على فترتين: بدأت أولاهما من عام 1996م إلى عام 1999م، وامتدت به ثانيتهما من عام 2009م إلى عامنا الحالي 2019م.. متجاوزاً بذلك سنوات حكم أبرز مؤسسيها، وأول رؤساء وزرائها - بعد الاعتراف بها - عام 1948م: «ديفيد بن جوريون» الذي حكمها لـ(تسع سنوات)!.. تقدم «نتنياهو» إلى رئيس الدولة (رؤوفين ريفلين) بطلب إجراء انتخابات عامة هي الثانية هذا العام، تمكنه من إعادة تشكيل حكومة جديدة متماسكة.. تعينه على إنفاذ مخططاته التوسعية التي لا تنتهي في أراضي السلطة الفلسطينية التي لم يبق منها غير 22 % من أصل 48 % بموجب قرار التقسيم، فكان أن وافق الرئيس «ريفلين» على إجرائها في شهر أبريل الماضي، ليفاجئ «نتنياهو» العالم في بياناته الانتخابية لـ(الناخبين).. بأنه سيضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية - أي أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة - ومعها «غور الأردن» والبحر الميت الأردنيتان.. إلى «إسرائيل» إن هو وحزبه (الليكود) فازا في هذه الانتخابات.. واثقاً من أن ساكن البيت الأبيض الرئيس «دونالد ترامب» - الذي يدير المشهد السياسي الحقيقي في دولة إسرائيل!! - لن يعارضه.. بعد أن عبَّر في سنته الأولى في البيت الأبيض - عن عاطفة مجانية تجاه «إسرائيل».. بإعلانه الطوعي عن «الاعتراف» بـ(القدس الشرقية) - عاصمة الدولة الفلسطينية عند قيامها - عاصمة لـ(إسرائيل) رغم معارضة دول العالم كله له.. بل ولحقه بـ(قرار) آخر أعجب من سابقه بـ(نزع السيادة) العربية عن مرتفعات (الجولان السورية) المحتلة إسرائيلياً ومنحها لـ(إسرائيل)!! وسط دهشة العالم واستنكاره من (غشامة) الرئيس السياسية التي تذكر بـ(غشامة) الرئيس الأسبق «جورج بوش» (الابن)!! عندما كان يقول عن (أريل شارون) سفاح صبرا وشتيلا اللبنانيتين بأنه (رجل سلام)!! لا يجد في شخص الزعيم الفلسطيني الراحل «عرفات».. رجل سلام يقابله!؟ لإنهاء المرحلة الثالثة والأخيرة من (اتفاق أوسلو) والخاصة بـ(الحدود) و(المستوطنات) والقدس الشرقية.. وهو الذي كان يحمل جائزة نوبل للسلام عام 1995م مناصفة مع الزعيم العمالي الإسرائيلي ورئيس وزراء إسرائيل آنذاك: «إسحاق رابين» بعد توقيعه مع (عرفات) على (اتفاق أوسلو) في حديقة البيت الأبيض أيام الرئيس «بيل كلينتون»!
* * *
وإذا كان الناخبون الإسرائيليون قد عبَّروا بداية عن آرائهم في تلك الانتخابات العامة التي جرت في أبريل الماضي.. بأنها (غير ضرورية)!! فقد أكدوا ذلك عندما ذهبوا إلى صناديق الاقتراع.. بـ(امتناعهم) عن إعطاء «نتنياهو» وحزبه «الليكود» تلك الأغلبية التي كان يتوقعها بعد أن قدم لهم تلك الوعود الذهبية، التي يأتي في مقدمتها: ضم أجزاء أخرى من الضفة الغربية وغور الأردن والبحر الميت إلى إسرائيل: إن هو وحزبه فازا بتلك الانتخابات!!
لقد خيب الناخبون أمل «نتنياهو» وحزبه في الحصول على تلك الأغلبية المريحة التي تضمن له حق التكليف بـ(تشكيل الحكومة) من قبل رئيس الدولة.. وتشكيلها منفرداً من أعضاء حزبه (الليكود) دون الحاجة إلى أي ائتلاف مع أي حزب آخر.
فقد أظهرت النتائج النهائية لتلك الانتخابات فوز حزب (أزرق أبيض) ورئيسه (بيني غائتس) بـ(33 مقعداً) من مقاعد الكنيست الإسرائيلي.. بينما فاز «نتنياهو» وحزبه الليكود بـ(31 مقعداً) وهي لا تضمن له حق (التكليف بتشكيل الحكومة أمام منافسة رئيس حزب أزرق أبيض): بيني غائتس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق.. بينما فاز تحالف عرب 48 بـ(13 مقعداً).. وحزب (إسرائيل بيتنا) الذي انضم إليه (أفيدور ليبرمان) بعد استقالته من حزب (الليكود) بـ(10 مقاعد).. بينما توازع بقية مقاعد الكنيست الثلاثة والعشرين من إجمالي مقاعد الكنيست البالغة مئة وعشرين مقعداً.. أحزاب صغيرة من اليمين واليسار!!
لقد بدأ الناخبون الإسرائيليون في هذه الانتخابات وكأنهم أكثر عقلانية من حزب «الليكود» ورئيسه «بنيامين نتنياهو»؟! عندما حجبوا عنه الأغلبية التي كان متأكداً من حصوله عليها (حتى لا يدفعوا المنطقة برمتها لدوامات عنف وفوضى جديدة).. كما قال أحد المعلقين السياسيين!؟
فـ(الخمسة الملايين فلسطيني بين «غزه» والضفة الغربية) لن يصمتوا!! ولن يستقبلوا وعود «نتنياهو» - إذا نجح في تشكيل حكومة وحاول إنفاذها - بالزغاريد والورود والرياحين.. بل سيقاومونها سلماً أو حرباً ولن يعدموا الوسيلة إلى ذلك.!
ولكن.. ورغم هذه النتائج الانتخابية السلبية بالنسبة لـ»نتنياهو».. إلا أن الرئيس الإسرائيلي «ريفلين» كلفه بـ(تشكيل) الحكومة.. لا لأحقيته، ولكن لـ(خبرته) السياسية على منافسة رئيس حزب (أزرق أبيض) العسكري الخلفية والتجربة!!.. بل ومنحه المهلة القانونية - البالغة ثمانية وعشرين يوماً - لـ(تشكيلها).. فإن لم يستطع.. فسيمنحه رئيس الدولة (ريفلين) أربعة عشر يوماً أخرى وأخيرة وفق القانون الإسرائيلي، فإن لم يستطع.. فسيكلف رئيس الدولة شخصية سياسية أخرى لتشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية.. أو أن يدعو إلى انتخابات ثالثة هذا العام.. ليبقى «نتنياهو» يواجه مشكلته: (السجن) بعد فقده رئاسة الحكومة.. وفشله بعد انتخابات أبريل الماضي في إعادة تشكيلها...؟!
فهذه الانتخابات - الثانية - التي وصفتها القاعدة العريضة للناخبين الإسرائيليين أنفسهم.. بأنها لم تكن ضرورية!! والتي جرت في الأساس بناء على طلب «نتنياهو» من رئيس دولة إسرائيل «ريفلين» الدعوة لإجرائها.. كانت أكثر من ضرورة لـ»نتنياهو» في تحقيق أحلامه التوسعية، وفي كف الملاحقات القضائية عنه التي كانت ستؤدي به في نهاية المطاف إلى السجن حتماً، وفي طي صفحة المرحلة الثالثة والأخيرة في اتفاق أوسلو، وفي البقاء في سدة الحكم لأربع سنوات أخرى متزامنة مع سنوات الدورة الثانية للرئيس «دونالد ترامب» في البيت الأبيض إن فاز بها.. ليصبح الرجلان: «نتنياهو» في سدة حكم إسرائيل في تل آبيب.. و»ترامب».. في سدة حكم العالم في «واشنطن».. ليبعثا بـ(منطقة الشرق الأوسط) وسلامها، وحل الدولتين والدولة الفلسطينية المنتظرة كيفما يشاءان!!
ولكن إذا فشلت محاولات الساعات الأخيرة التي ما تزال بين يدي «نتنياهو» في تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية.. وهو ما يرجوه العرب وعقلاء الإسرائيليين، فإنه سيجرى تكليف شخصية سياسية أخرى بتشكيل الحكومة.. فإن فشل هو الآخر، فإنه لا مناص من الذهاب إلى انتخابات إسرائيلية ثالثة، ليرى ساعتها «نتنياهو» حطام عرش أحلامه وقد تهاوى عند قدميه.. عندما لا يجد في نتائجها حتى الواحد والثلاثين مقعداً التي فاز بها حزبه في الانتخابات الثانية.. في أبريل الماضي!؟