د. حمزة السالم
على خلاف قرن القرآن والسنة بين الصلاة والزكاة غالباً، إلا أنها لم تجمع بين الأمر بالزكاة والنهي عن الربا، ولا بين أحكامهما قط.
فشبه الإجمال في أحكام الزكاة والأمر بها في خطاب القرآن، لم يأت مقترناً مع النهي المُجمل عن الربا والوعيد فيه. كما أن السنة لم تقرن بينهما قط في إجمال ولا تفصيل لأحكام، بل نجد الأمر على النقيض. فأكثر تفصيلات الزكاة، نجدها في زكاة الأنعام، وهي ليست من الأموال الربوية. وكذلك، لا تظهر علة الربا في الشعير والبر، بخلاف ظهور علة زكاتهما وهي -بالتأصيل الصحيح- كونها مما يُحصد من الزرع، وليس كل ما يُحصد مالاً ربوياً. فالجمع بين علة الزكاة وعلة الربا في مال ما، ليس له أساس نقل ولا عقل.
كما أن الزكاة والربا متناقضان في أصلهما الشرعي. فالزكاة أمر، فهي من المطلوبات. والربا نهي، فهي من المتروكات. كالأمر بالطهارة، والنهي عن النجاسة. فالأمر لا بد من فعله على قدر المستطاع، ولذا؛ يُستلزم بذل الجهد في تحصيل أسباب توفره. أما النهي فهو أمر متروك لا يُبحث عنه لإيجاده، ثم يُعمل بعد ذلك على تجنبه! والأوامر تفترق عن النواهي في أمور كثيرة بما يتعلّق بأحكامها، ولا تجتمع إلا في وجوب الامتثال لله فيها.
ورغم أن الفرق بين التروك (النواهي) وبين المطلوبات (أي الأوامر)، اعتبره الفقهاء منذ قديم فيما يتعلّق بالأحكام إلا أن هذا التفريق في شأن الزكاة والربا، قد غاب عن غالب الفقهاء. فالفتوى اليوم هي وجوب زكاة النقود الحديثة؛ لقياسها على زكاة الذهب والفضة بنفس العلة التي أجروا فيها الربا وهي علة الثمنية المطلقة. وعلة الثمنية المطلقة علة مستنبطة، وقد بان بطلانها قولاً واحداً؛ لأنه يستلزم أنه لا ربا في الذهب والفضة، كونهما لم يعودا ثمناً. وعليه فيستلزم من بطلان علة الثمنية، انتفاء الزكاة في النقود الحديثة، ما لم تكن هناك علة صحيحة للقياس، (وهناك علة صحيحة وهي قابلية النماء للذهب والفضة والحصاد للتمر والبر والشعير.
وهكذا يظهر ما في التقليد، من فرض المتناقضات على استنباطات الفقهاء، وإظهار التشريع الإلهي بمظهر الضعف والقصور، بينما هو إعجاز رباني لو أننا التزمنا بأصول الاستنباط الفقهي المنطقي البعيد عن الهوى والرأي والتقليد.
وعلى كل حال فهذا الخلط الفكري الذي جمع بين أحكام الزكاة والربا، هو الذي أشهر عبارة: «كل ما يجري فيه الزكاة يجرى فيه الربا». فترى بعض الوعاظ في سياق استدلالهم بقياس النقود الحديثة على الذهب والفضة، يرددون عبارة: «أموال تستباح بها الفروج وتدفع بها الديات ولا يجري فيها لا زكاة ولا ربا». فيقال: الحمد الله، ثم ماذا؟ فالأنعام من الإبل والغنم والبقر تجري فيهم الزكاة، ورغم ذلك لا يجري فيها الربا. فلا ارتباط مطلقاً بين الزكاة والربا في أي وجه من الوجوه، إلا في وجوب تعبد الله بهما، بفعل الأول واجتناب الثاني.