د. محمد عبدالله العوين
قد يبدي قراء كثيرون اعتراضًا سريعًا على هذا العنوان، وربما اتهموا كاتب المقال بالجهل وعدم الإحاطة بالمعلومات التاريخية الصحيحة التي تؤكّد أن الصفويين شيعة اثني عشرية جعفريين متعصبين غالين في تعصبهم وتزمتهم الطائفي.
ليس من غرض هذا المقال الحفر في المذاهب والطوائف ومديح أو هجاء آخر؛ بل الغاية الإشارة التاريخية إلى سنوات التحول الخطيرة في إيران التي دفعت الحكام الصفويين أن يكونوا معول هدم للأمة الإسلامية في الماضي والحاضر، وأن يكون التمذهب وسيلة لإقامة دولتهم وتوسعها وقوتها والهيمنة على ممالك وأوطان عدة ونموذجًا احتذاه الصفويون الجدد على يد الخميني بثورته المشؤومة 1979م التي عانت منها إيران والعرب خلال أربعين عامًا.
وأريد التأكيد على أن تكوين المذاهب والطوائف في الأمة الإسلامية لم يزدها إلا تنازعًا واحترابًا وضعفًا، وأن نحلاً عدة وتيارات عقدية لا تتفق مع العقيدة الإسلامية السليمة كوّنت ونشئت بفعل فاعل (فرس ويهود) وبتخطيط مقصود لتفريق المجتمع الإسلامي وتمزيقه وإدخاله في بؤر صراع لا تنتهي؛ كما هو شأن نحلة (الخوارج) مثلاً التي انقسمت إلى فرق وطوائف ضالة وغيرها من الملل والنحل الضالة، والأصل أن المسلم الحق يؤمن إيمانًا قطعيًا بالكتاب والسنة النبوية المصدرين الأساسين للتشريع التي لا خلاف عليهما ولا يمكن أن يكون المسلم مسلمًا إلا بتصديقهما والعمل بما جاء فيهما، ويبقى لدينا من مصادر التشريع الإجماع، ثم الاجتهاد بشروطه الفقهية المعروفة في كل زمان ومكان بما يوافق ويحقق مقاصد ما ورد في الكتاب والسنة.
من المفيد الإشارة إلى انقلاب الصفويين من سنة إلى شيعة في إيران، ثم كيف تمت عمليات التطهير المذهبي لاحقاً بعد التحول وما هي أسباب التحول ودوافعه وكيف سعى الخميني إلى الإفادة من التجربة الصفوية بعد تحولهم المذهبي ونجاحهم في تحقيق أغراضهم التوسعية على يد إسماعيل الصفوي 892- 930هـ - 1487- 1524م الذي استخدم العنف والحروب متعمماً بالمذهب لتمكين عرشه والتوسع الجغرافي في المحيط من حوله حتى أقام ما يشبه الإمبراطورية الصفوية التي امتدت 220 عامًا من 1501- 1722م.
ينتسب الصفويون إلى صفي الدين الأردبيلي 560هـ - 1252م - 735هـ - 1334م فكلمة (صفويون) نسبة إلى اسم (صفي الدين) الذي نشأ في أحضان بيئة صوفية منتسباً إلى المذهب السني الشافعي السائد في تلك الأنحاء من إيران آنذاك في أردبيل مكان نشأته وغيرها من بلاد خراسان وما وراء النهر.
وحتى بعد أن أصبح له أتباع ومريدون وكون دولة سنية قوية في إيران ظل على اعتقاده الصوفي هو وأبناؤه من بعده إلى أن تم التحول الخطير لأسباب سياسية وتوسعية على يد حفيده (الخواجة علي الصفوي)، حيث انقلب مذهبيًا من السنة على المذهب الشافعي إلى التشيع الإثني عشري الجعفري عام 801هـ - 1334م.
على أن من الواجب ألا تكون الاعتقادات المذهبية أداة لحروب أو عمليات تطهير؛ إلا أن الخواجة انقلب (بأهداف فارسية مبطنة) لتحقيق التوسع برداء مذهبي ضيق الأفق.
يتبع