وصف النقاد الكاتبة المتعددة بلقيس الملحم بكاتبة المآسي والأحزان. وهو وصف نابع من واقع نتاجها الأدبي الذي يحمل في طياته قضايا الإنسان وشجونه ومآسيه.. وهو نتاج يثير الدهشة بلغته وموضوعاته التي تملأ القلب وتؤثث الروح. إنها نصوص تملأ الروح شجنًا، وتدفع القارئ إلى التأمل، وإعادة النظر في تفاصيل الحياة وقضاياها كليًّا.
والأديبة السعودية بلقيس الملحم كاتبة من مواليد الأحساء، متعددة المواهب؛ فهي شاعرة، وسارة، وكاتبة مقالة، وصاحبة رأي ووجهة نظر ثاقبة. إنها من أكثر أدبائنا تنويعًا في أدواتها، وإيغالاً في الشعرية والتجريب؛ فهي تكتب الشعر الحُر، والتفعيلة، والقصة القصيرة، والمقال الصحفي. وقد نشرت عددًا من المجموعات القصصية والروايات.
والمتأمل في نتاج الملحم في كليته يجده كونًا من الرؤى والتأملات. إنه أدب لا يقف ضمن النسق المحلي، بل يفارقه دون أن ينقطع عنه. إنه تعبير عام، يلتقي فيه العربي عمومًا، لكنه يختلف من حيث إنه يعبّر عن غير أحداث رقعته الجغرافية المحدودة (المملكة)؛ إذ تعمدت بلقيس فيه بوعي وبغير وعي أن تعبّر عن تغريبة العراق ومآسيه التي يمرُّ بها، وبشيء من التفصيل الذي يشي للوهلة الأولى بأنها قد عاشت في هذا البلد، وعايشته، بل إنه قد يوهم القارئ للوهلة الأولى بأنها عراقية لغة ومعيشة وتجربة، لكنها في الحقيقة لم تطأ بلاد سومر.
إن الملحم تقاسم في نصوصها أهل العراق همومهم ونواحهم، تعيش تغريبتهم بكل تفاصيلها، وكأنها تقول لهم «أنا رغم بُعدي الجسدي عنكم أشارككم معاناتكم بحب». وربما يعود سرّ إتقانها الوصف الدقيق للحياة العراقية، وأحيازها الجغرافية، وإتقان اللهجة العراقية، إلى أن أخاها عبدالرحيم فُقِدَ في العراق عام 2004م، واختفى بعدها، ومنذ ذلك الوقت وهي تحاول أن تجده بين شخوصها القصصية، إنها تعبِّر عن شجن فقدان أخيها في أعمالها الإبداعية.
ولعمق تجربة الملحم الإبداعية فإن أعمالها قد تُرجمت إلى عدد من اللغات الأجنبية، مثل «الفنزويلية، والسويدية، والأسترالية، والروسية»، وفازت بعدد من الجوائز العالمية والعربية، فضلاً عن أنها حملت لقب «سفيرة الثقافة بالمجان»، إلا أنها لم تحظَ بتكريم يليق بها من قِبل المؤسسات الثقافية في بلادها؛ وربما يعود سبب ذلك إلى الشللية، وطغيان المعاملة الإقصائية التي تعاني منها ساحتنا الثقافية، أو لأن زامر الحي لا يطرب.
إن حالة بلقيس تؤكد لنا دور الأديب الحقيقي بمشاركة البشر مصائبهم وأحزانهم، وذلك بأن يحمل على عاتقه التعبير عن كل ما يعترض الإنسانية من مصائب وأحزان، وأن لا يقتصر على حدود بلاده الجغرافية؛ فالأدب يرحل إلى كل مكان، وهي رسالة البشرية للسلام؛ إذ لا سلاح فيها غير تصوير الألم للعالم.
إنها ِسذ الأديبة السعودية التي أنتجت أدبًا حصدت فيه جوائز عالمية، احتفى بها العالم أكثر من وطنها؛ وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة، ويدعو إلى القول: لماذا؟ وكيف؟ وهل؟ وسنترك الإجابات للأيام.
** **
- د . عائشة صالح الفيحان