أ.د.محمد بن حسن الزير
إن رؤية المملكة 2030 تقوم على دعائم جوهرية أساس في التخطيط وتحديد الأهداف، وتنطلق من توجهات إستراتيجية عميقة شاملة للنهوض بالوطن في كل قضاياه ومشكلاته؛ ومن تلك القضايا قضايا التعليم، وفي الصميم منها قضية اللغة العربية وتعليمها.
وانطلاقا من تلك الرؤية الوطنية، واستلهاما لروحها ومنهجيتها الواعية، ومن أجل تحقيق غاياتها السامية في مجال تمكين اللغة العربية لتحدث أثرها المنشود في حياتنا وأنشطتنا العلمية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية بعامة؛ لابد أن يكون لدينا سياسة لغوية إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف، تمثل الموقف الرسمي للحكومة، وترتبط بالتنمية البشرية ووجود مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة؛ (انظر د. محمد عبد العاطي عبد الباقي علي؛ السياسة اللغوية والتنمية البشرية، المؤتمر الدولي الثالث للغة العربية، دبي (2014، بحوث المؤتمر2/517-533.) وأن تتبنى هذه السياسة اللغوية مشروعا إستراتيجيا شاملا، متكامل المقومات والعناصر الموضوعية، ويمثل خطة وطنية صارمة، واجبة التنفيذ.
ويمكن لنا هنا في هذه المناسبة أن نتناول بإيجاز أهم ملامح هذا المشروع الإستراتيجي وعناصره الأساسية ومقوماته وذلك فيما يلي:
1 -الانطلاق من تصور علمي منهجي للواقع اللغوي العربية يحد المشكلات والتحديات والمخاطر:
وحين نوجه نظرة فاحصة لواقع اللغة العربية الراهن نجد أنفسنا أمام واقع لغوي مؤسف، محفوف بالمشكلات والتحديات والمخاطر، في إطار من الإهمال لطاقة اللغة والتغييب لتأثيرها والإهدار لإمكاناتها الحيوية.
وقد قدم المجلس الدولي للغة العربية في ظل عنايته بالعربية، وإحساسه العميق بما تواجهه من مخاطر وتحديات في مجالات عديدة إطلالة على ذلك الواقع من خلال مؤتمره الدولي الأول الذي تم عقده في (بيروت) 1433هـ/2012م بعنوان: «اللغة العربية لغة عالمية: مسؤولية الفرد والمجتمع والدولة» وقدمت «وثيقة بيروت: اللغة العربية في خطر: الجميع شركاء في حمايتها» (نشر المجلس الدولي للغة العربية – بيروت، 2012م، الترقيم الدولي 9-2364-0-9953-978) خلاصة لما تناولته أوراق الباحثين ودراساتهم عن واقع اللغة العربية وتشخيصا دقيقا لحالتها الراهنة. وفي مؤتمر المجلس الدولي الثاني الذي تم عقده في (دبي) 1434هـ/2013م بعنوان: «اللغة العربية في خطر: الجميع شركاء في حمايتها» قدمت أبحاث المشاركين في المؤتمر، وصفا شاملا لهذه المخاطر وتناولتها من جوانب مختلفة، وقد شاركت في هذا المؤتمر بورقة بحثية بعنوان: «اللغة العربية تواجه المخاطر: المشكلات والحل الإستراتيجي».
ولعل أهم عنصر يجب أن تتصدى له الإستراتيجية المنشودة هو معضلة تعليم اللغة العربية والتعليم بها، وهذه المسألة بشقيها المتلازمين؛ أي تعليمها، والتعليم بها تمثل أخطر المشكلات، وأهم القضايا المحورية التي تواجه اللغة العربية وأهلها اليوم؛ (فتعليمها من حيث عدم شموليته، ومن حيث إن طريقة تعليمها؛ بسوئه وضعفه وتدنيه، وبالخلل الواقع فيه) يصد عن سبيلها القويم صدا، ويحول بين دارسيها وتفهمها وتذوق أساليبها والاستمتاع بجمالها، ويتمثل الحل لهذا الخلل أكثر ما يتمثل في الآتي:
أ- تقوية المستوى التعليمي: (المحتوى والطريقة والأساليب والأدوات، واستثمار طرق التدريس الحديثة) وندرك فداحة الخطب هنا حين نتذكر أن سبيلنا الوحيد لاكتساب اللغة العربية، في ظل غياب البيئة الطبيعية المكسبة لها، يوم كان العربي يتلقى لغته اكتسابا مباشرا من بيئته حين كانت العربية فيها سائدة صحيحة فصيحة، ويتلقاها ويتحدث بها سليقة، ويعيشها ممارسة، في سلاسة ويسر، إن سبيلنا الوحيد هو التعلم والتعليم الصحيح مستوى وطريقة.
وحين ننظر إلى مستوى تعليم العربية في مدارسنا وجامعاتنا، نجد أنه لا يحقق المهمة المطلوبة، ولا يرقى في مخرجاته إلى المستوى المنشود، القادر على تمثل العربية والتعبير عنها فهما، وتحدثا، وكتابة، وممارسة طبيعية، وأول ما يصدمنا في هذا التعليم هو فساد طريقته، وسوء فهم المقصود باللغة، وعدم وضوح الفرق، عند كثير من معلميها، بين اللغة وقواعدها ووصفها والحديث عنها!
وتمثل قضية تعليم العربية النقطة المركزية في مسألة الضعف اللغوي، وهي معضلة تناولها الأقدمون في إطار عنايتهم بطرائق تعليم العربية، كما أدرك خطورتها المعاصرون من أساتذة اللغة العربية وخبرائها.
ب- تقوية المستوى العلمي للمادة العلمية واللغوية والمحتوى الثقافي، وبخاصة في مجال العلوم الطبيعية والتكنولوجيا، ولا شك في أن اللغة أية لغة إنما هي صورة لما لأهلها من واقع علمي وحضاري؛ فهي من حيث المحتوى العلمي تنمو بنموهم وتغنى بغناهم العلمي، وحين نجد العربية تعاني من الفقر العلمي في حاضرها الراهن، فيما يكتب بها، وأنه دون المستوى، فإن مرد ذلك لتخلف أهلها وتقهقرهم في موكب الركب العلمي والتقني، وبالتالي انعكاس ذلك على محتوى المواد والمقررات والمناهج الدراسية، ونقول إن من عوامل ضعف المستوى العلمي عدم تعليم العلوم الطبيعية نفسها بالعربية.
ج- تقوية المعلم: (المدرس / الأستاذ)؛ حيث نجد كثيرا من المدرسين والأساتذة الذين يناط بهم تعليم العربية ليسوا على مستوى الكفاية اللازمة للوفاء بالمهمة المنشودة؛ (فليس لديهم التمكن الكافي من القدرة اللغوية) وليست لديهم مهارة (الطريقة) أو مهارة (التحدث والتعبير بالفصيحة) أو مهارة (الكتابة) بها.
د- (إلزام المعلمين) في تعليمهم لتلاميذهم وطلابهم، بالعربية الفصيحة؛ ووجوب التزامهم بتعليم العربية بالعربية التامة؛ فلا يعلم المعلم طلابه العرب بالعامية؛ سواء كان المقر الذي يدرسه مقررا مختصا بمادة اللغة العربية، أو مادة أخرى من مواد المنهج للمقررات الأخرى، وألا يعلم طلابه من غير العرب بالعامية، أو عن طريق الترجمة بلغة أخرى.
وهنا لابد أن تركز الإستراتيجية على عنصر (التعليم بشكل صحيح، ومراجعة (طريقة التعليم وأدواتها وأساليبها) وأن تتبنى بجدية التغيير الجذري لطريقة التعليم وأساليبها، وأن تعتد بتعليم اللغة من خلال نصوصها اللغوية والأدبية، واتباع الطرق العلمية التربوية الحديثة، والعناية (بالمعلم) وحل مشكلاته. وللحديث صلة.