تسير بنا الحياة في أمواج متلاطمة من الحظوظ والأقدار، تصفعنا تارة، ونفوز بمرادنا تارة، ولكي لا تثقل كواهلنا الحياة بمرارة أحداثها، «نقرأ»، لنوسع مداركنا، لننهي أزمة بعض أفكارنا الرجعية، لنعيد تجديد آرائنا التي كانت فيما مضى جملة من الأخطاء الفادحة والسخيفة ربما، وكما يقول الدكتور مصطفى محمود «القراءة هي أن تذهب بعقلك ومشاعرك خارج حدود المكان والزمان». فمع القراءة أنت تواجه جيشا كثيرا وإن حرصته على هزمه بغير القراءة لواجهته أمورا بالغةَ الصعوبة، ولكن مع القراءة أنت تحث عقلك وأفكارك لتسمو ولتغير من قناعتك ولتغذي المعرفة لديك، وكما تقول الكاتبة الأمريكية ويندي ليسر، في كتابها «لماذا أقرأ: المتعة الحقيقية للكتب»، “يمكن أنْ تقودك القراءةُ إلى الملل أو السموِّ، الغضب أو الحماس، الاكتئاب أو المرح، التعاطف أو الازدراء، وهذا يتوقف على طبيعتك، وكيف يشكل الكتاب حياتك في اللحظة التي تقرأ فيها”. القراءة في كثير من الأحيان تكون مواساة للبعض منا، ومخرج طورائ من بعض الحالات التي نعبر فيها كبشر من مواقف الحياة التي لا تخلو من الكدر، والقراءة ليست شكلًا واحدًا فحسب، إنما أشكالًا عديدة، والبعض يقرأ للمتعة كالقصص والروايات وإن كانوا يقرؤون للمتعة فلا مانع من أن يتشكل لديهم مخزون معرفي وثقافي كبير، فالقراءة شيء تراكمي لا تأتي نتائجها بشكل سريع، إنما نلاحظ ذلك على المدى البعيد في قناعاتنا وآرائنا وقرارتنا، كما أن الكتب الأدبية التي نقرأها وتكون بشكل ساخر أو بأي شكل فهي أحيانا تناقش قضايا مجتمع أو فرد أو دولة أو حزب، أو دين، فالقراءة في نهجها متعددة وسيجد كل شخص مايروق له من عناوين ومواضيع ومحتوى، وكما يقول بلوم وويندي: «إنَّ نوعية القراءة هي حوار حاسم مع نفسك، الحوار الذي يقودك إلى ذاتك، فتعرف أين تضع هويتك ووعيك في خريطة الوجود». في كل مرة ستقرأ كتابًا ستشعر بشيء من النضج، وأن هناك قناعة سقطت، وستثير الجُمل والكلمات في نفسك آلاف التساؤلات، تبحث عن إجابة هنا، ومصادفة تجد دليلًا هناك على صحتّها، وفي كتاب آخر تجد تفنيدًا مفصلاً يدعي بطلانها، وبين كل هذا تبحر أنت لتجمع من هنا ومن هناك مايوافقك ويرضي توجهاتك، كما أنك ستعيش بعض الأحداث في كل كتاب وأحيانًا تشعر بعمق وصف الأماكن التي دارت فيها الأحداث، كما ستشعر بنوع من المتعة وأنت تبادل أحد الأصدقاء أو الغرباء كتابًا فإنها تعني الشيء الكثير، الراءة نزهة ممتعة للعقل في تهذيبها للأفكار، وفي ربطها بين المفردات، وفي عمق إيصال المعنى، أن تقرأ يعني أن تعيش بمدارك أوسع.
** **
- محمد القرني