كلمتان مترادفتان في المعنى عند فوكو وربما متعاقبتان أيضاً حتى ولو كانت على الحقيقة تختلفان من حيث المصطلح اللغوي والمعنى الاصطلاحي العام ففوكو يسرد قصة السجون والتي تحمل في طياتها أبعاداً فسيولوجية وسسيولوجية لها تأثيراتها في الحياة العامة للمجتعات منذ حياتها القديمة ولكنه يبدأ منذ القرن الثامن عشر من محاولة اغتيال لويس الخامس عشر ملك فرنسا الذي لم يألو جهداً في تعقب البروتستانت والقضاء عليهم كسلفه الرابع عشر وكذلك الفلاسفة وكل من يجرؤ على الخروج على الكنيسة بحجة التنوير أو بما يسمونها الهرطقة الدينية. ليس هناك أعجب من فوكو حين يبدأ الفصل الأول بتحليل متناهي عن حادثة إعدام داميان وتعذيبه قبل ذلك حيث أنه استهل بالنتيجة قبل الاستنتاج ! واستعراضه لذلك إنما هو إيماء لما كانت عليه السجون من قبل وكيف كان المجتمع يرسم خطوطه العريضة في تطور العقاب دون النظر في آلية يكون الحد من الجريمة هدفاً اجتماعياً سامياً، فقضية المراقبة الشخصية ثم الجماعية في السجون وتطورها عبر العقود والقرون الماضية حتى وصلت إلى مستوى عالٍ من التقنيات التكنولوجية في كثير من سجون القرن العشرين كانت وماتزال القشة التي قصمت ظهر الأنظمة والمجتمع وهذا التطور الملفت إنما يعد إحدى وسائل التعذيب للسجناء بشكل مرحلي غير مسبوق عند كثير من السجون العالية التجهيز ونجد نتائج ذلك اليوم في السجون الكبيرة سيئة السمعة كغوانتنامو مثلاً والتي لا شك سوف تكون حديث المستقبل كتاريخ شديد السواد، وغيرها من السجون السرية التي يقبع خلف قضبانها كثير من البشر في قضايا سياسية وجنائية سواء كانت في أوروبا الشرقية أو في أمريكا اللاتينية والتي يملكها الغرب عبر شبكات سرية في دول تفتقر اقتصادياً وفكرياً بحيث تكون بعيدة عن أعين المراقبة الإعلامية لكون مجتمعاتها تعيش على الفوضى والمال الغربي والسجين هناك أشبه بمن يتوارى عن الدنيا سواء كان مؤقتاً أو إلى آخر العمر وتظل المراقبة لو قدرت له الحياة لصيقة ليست وحده بل مجتمعه المحيط به بشكل عام ولكن فوكو يذهب بعيداً في ذلك إلى الكناية عن مراقبة المجتمع ككل وبأن تلك الطرق تطورت عبر العقود بسرعة مذهلة حتى أضحت أداة عقابية صارمة تشجع على الإجرام وتزيد وتيرته وليست عملية إصلاحية فالمراقبة مع تطور المفاهيم أضحت تعذيباً نفسياً وهذا صحيح حين نرى بعض الوسائل المبتكرة في المراقبة والتي تفضي بالسجين إلى الأراض النفسية أو الانتحار ويرجع ذلك إلى مسألة الوعي الكامل للجندي الذي أفرد له فوكو فصولاً في كيفية خلق الجندي وتجهيزه عقلياً وجسدياً مما يعطي المؤسسة العسكرية أكثر استعداداً للإصلاح ولكن هذه المؤسسة دائماً تطور تكنولوجيا الاعتقال والسجن والتعذيب بينما لا تبالي في تطوير ثقافة وأخلاق الجندي أو السجّان وهذه عادة جرت من القرن الثامن عشر كما يراها فوكو حتى القرن التاسع عشر وربما فوكو يتوقع أن المسألة تقف عند ذلك الحد ولكن توقعه غير صحيح فهذه سلسلة ممتدة ليست كما يراها من القرن الثامن عشر بل هي من قبل ذلك وستتطور أكثر من ذي قبل ولكن ليس تطورا إيجابيا وإنما كما نرى يفوق تخلف القرون الوسطى كما يريد السجّان.
** **
- أحمد بن حمد السبيت