عرض وتحليل - حمد حميد الرشيدي:
(فاقع البياض) رواية صادرة حديثا هذا العام 2019م عن (مركز الأدب العربي) للنشر والتوزيع بالدمام للكاتب/ خلف الروقي.
وتدور فكرة هذا العمل حول جدلية الحوار مع الذات وتناميها, على نحو (تراجيدي) معقد يقف خلاله (الراوي) موقف الند من هذه الحوارية الجدلية بينه وبين ذاته, محاولاً طرح أفكاره ورؤيته للحياة والناس من حوله من منظور فلسفي أخلاقي (أحادي) ليس بشرط أن يتفق مع نظرة الآخرين. وفي مرحلة لاحقة يتطور هذا الحوار الجدلي ليكون صراعاً داخلياً, طرفاه الأساسيان الراوي نفسه, وتلك المبادئ والقيم والمثل التي يؤمن بها في هذه الحياة, وخاصة وجوده كإنسان في مجتمع قد لا يعترف كثيراً من أفراده بتلك المثاليات والقيم ذات النزعة الأحادية المتطرفة.
وهذا ما جعل (الراوي/ البطل) يمثّل حالة استثنائية منفردة بين أبناء جلدته من الناس. وفي سياق تطور الحدث السردي ونموه تخرج (هذه الحالة الاستثنائية) من إطارها الداخلي الذي كانت محصورة فيه, محاولة البحث عن شبيه (خارجي) لها يوافقها في أفكارها ونظرتها للحياة, لعلها تأنس به, ولتثبت أن هناك من يشبهها في هذه الحياة, يشعر بمثل ما تشعر به, ويؤمن بمثل تؤمن به, ولتصل في نهاية الأمر إلى نتيجة مقتضاها أن المثل والقيم والمبادئ الإنسانية موجودة ومشتركة بين سائر الناس, لكنهم يتفاوتون في مسألة فهمها وطرق التمسك بها, وقد لا يقيم بعضهم لها اعتباراً معيناً, حتى وإن كانت صحيحة.
وهذا - بالتالي - مما أدى بـ(الراوي/ البطل) إلى أن يختار العزلة عن الناس في نهاية القصة, بعد أن خاض معركة الصراع مع محيطه الخارجي, وبعد أن باءت شتى محاولاته بالبحث عن شبيه له بالفشل.
بقي أن أقول إن هذه الرواية رغم ما يغلفها من البؤس والشقاء والحزن, وتشبّع أجوائها بالسوداوية أو التشاؤم والكآبة والجدل المشحون بالقلق والتوتر , إلا أن لغة كاتبها كانت غاية في الروعة, لما اتسمت به من حس فكاهي ساخر, يحيل كثيراً من المواقف المؤلمة إلى نكات, تقلب (تكشيرة) القارئ إلى ابتسامة تنفس عن قلبه ما يشعر به من ألم!