أنقر - تقريبًا - كلَّ رابط شبكيٍّ يأتيني باختبار من اختبارات تعرُّفِ الشخصيَّة، أستجيب - بلا كللٍ - للدعوات المحرِّضة التي تأمرني: «اعرفي نفسك من طريقة نومك»؛ فيتولَّد فيَّ فضول يدفعني أن أتبيَّن وجهًا من نفسي في يدي التي أدسُّها تحت خدي حين أنام، لم أفوِّت - قطُّ - أيَّ اختبار يشرِّح الألوان التي أبدِّد بها حياد الأبيض في منزلي؛ لأنَّني أعرف أنـَّها ألوان اختارها عقلي غير الواعي كي يصرِّف فيها شيئًا منِّي: «هذا شيء يجب أن أعرفه عنِّي». أقول هذا لنفسي وأنا أسابق الزمن مجيبة عن أسئلة الاختبار، لم أقلِّل من شأن الأسئلة التي تتقصَّد مناطق الهوامش في أفعالي؛ فأؤمن أنَّ شيئًا يقودني إلى نفسي يختبئ فيما يثرثر به شكل العقدة التي أختارها لربط شريط حذائي الرياضي، أو في الشكل المدبَّب الذي أستعين به لصقل أظافري، لديَّ يقين ثابت في أنَّ شيئًا جوهريًّا منِّي يتسرَّب في خطوط المتاهة العفويَّة التي يتشكَّل فيها توقيعي، أو في الأشياء التي تَفيض بها حقيبة يدي، في نوع الورود التي تسيل حيواتُها كي ترفع مزاج يومي، أنتظر - دومًا - كلَّ رأي خبير يستكنه طبائعي، وسماتي من شبكة الأرقام التي اكتنفتْ موعد ميلادي.
يحتلُّ كلُّ اختبار يقول لي: «اعرفي نفسك؟» الأولويَّة الفائقة؛ يبدو - لي - أنَّ كلَّ شيء في حياتي يقول - حتمًا - شيئًا عنِّي، كلُّ ما أقتنيه وما أكرِّره مرشَّح أن يُفهمني ذاتي؛ وعليَّ كي أصل إلى هذا الفهم أن أعبر جسر التفسير الذي رصفته العقول الخبيرة؛ لأنَّني ما زلت أشعر - بعد كلِّ هذه السنوات - أنَّني ما زلت أحتاج إلى ما يُبصِّرني بنفسي، ما يخلِّصني من قلق موقعي غير الثابت، وما يؤكِّد لي أفكاري عني، ما يجعلني أصالحُ عيوبي، ما يصفُّ مسوِّغات مقبولة لجملة أخطائي، ما يربت على كتفي وأنا أواجه خوفي، ما يلاحق تطوري، ما يسند حججي حين أدافع عن زلاَّتي، ما يوضح معالم خريطتي، ما يلون دوائر شعوري بحكمة الحياة التي يقرِّرها غيري نيابة عنِّي، أحتاج إلى من يحمل - تخفيفًا عنِّي - نُفايات المشاعر الغائبة التفسير، من يمحو جهلي بي، من يقرِّب جلائي إلى عيني عقلي!
لم أتذمَّر - قطُّ - من الطريق الطويلة التي أقطعها كي أكتشف نفسي، لم أندم على دقائق أستنفدها في جمع نقاط اختبارات سلوكي؛ لقد بدوت شديدة الحاجة إلى مجموعٍ سيؤول بي إلى فهم مقاصدي وخفاياي وأفعالي غير الواعية، وما زلت حتى هذه اللحظة أنتظر - بنهم معرفيِّ - أن يكتشف علماء النفس، ومفسِّرو السلوك طرائق جديدة أسلكها سلوكَ الراغبِ المحبِ الشَّغوفِ؛ كي أحقِّق كمال صورتي عنِّي، ومع الوقت امتلكت أناة انتظار تكوُّني: لقد ترتَّبتُ - فكرةً فكرةً - في عقلي، بتمهُّل كنت أتقصَّى حقائق ذاتي، وبجوعٍ سأتابع هذا الولع لمعرفتي المتدرِّجة بنفسي حتى آخر أيام حياتي!
لكنَّني على الرُّغم من كلِّ هذا ما زلت أملك استعدادًا حاسمًا سريعًا، ينقصه الصبر للحكم على آخرين أراهم أَوَّلَ مرَّة في حياتي!
** **
- د. سهام العبودي