د. عبدالحق عزوزي
بعد أن فاز رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، مهندس المصالحة الكبيرة بين بلده وإريتريا المجاورة، بجائزة «نوبل» للسلام لعام 2019، تقديراً لمجهوداته في إرساء السلام بالقرن الأفريقي، منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم جائزة نوبل في الاقتصاد للأمريكيين أبهجيت بانيرجي ذو الأصول الهندية وإستر دوفلو ذات الأصول الفرنسية والأمريكي مايكل كريمر عن أبحاثهم وأعمالهم في مجال محاربة الفقر في العالم.
وقالت هيئة التحكيم إن الخبراء الثلاثة تمت مكافأتهم على «إدخالهم مقاربة جديدة للحصول على أجوبة موثوقة حول أفضل وسيلة للحد من الفقر في العالم». وفي منتصف التسعينيات أثبت مايكل كريمر (54 عاما) الأستاذ في جامعة هارفرد «إلى أي حد يمكن أن تكون هذه المقاربة قوية عبر استخدام تجارب ميدانية من أجل اختبار مختلف المبادرات التي من شأنها تحسين النتائج المدرسية في غرب كينيا». بعد ذلك قام بانيرجي وإستر دوفلو بدراسات مماثلة حول مسائل أخرى في دول أخرى. وباتت طريقتهم للأبحاث التجريبية تهيمن حاليا على كل جوانب الاقتصاد التنموي.
وإستر دوفلو (46 عاما) أستاذة الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حيث يعمل زوجها أيضا، وهي إحدى الخبراء الاقتصاديين الأشهر في العالم، وخصوصا في الولايات المتحدة. وهي ثاني امرأة تنال جائزة نوبل للاقتصاد.
والتنمية والاقتصاد التنموي والتطور ومحاربة الفقر والتخلف العقلي والحضاري; والمجتمعي هي في نظري كلها مكونات معادلة توازنية واحدة إذا نجحت دولة من الدول في إرساء معالمها ستنجح في تحقيق النماء والرخاء لشعبها على المدى المتوسط والبعيد؛ فأبحاث هؤلاء الذين فازوا بجائزة نوبل توحي أن مسألة التنمية ممكنة وأن قواعده يجب أن تكون رياضية وعلمية وليست ارتجالية ولا شعبوية؛ وأن كل دولة إذا تماسك كل أفرادها وسطروا مجتمعين سياسات عمومية صائبة وهادفة في مجال التنمية وما يسبقها من تربية وتكوين وتعليم قوي ستنجح لا محالة في مسائل التقدم والرفاهية لشعوبها. فلقد نجحت الهند والعديد من المدن والجامعات الآسيوية مثلا في تطوير البحث العلمي والتكنولوجي انطلاقا من المنهج العقلاني الذي اتبعته السياسات العمومية لتلك الدول مكنتها من تحقيق المستحيل وبموارد قليلة جدا مثل اليابان... ونتذكر أنه منذ سنوات، دخلت مركبة فضائية هندية «مانغاليان» المدار حول كوكب المريخ بعد رحلة ناهزت السنة وقطع مسافة 666 مليون كيلومتر تقريبا، لتصبح بذلك الهند الدولة الآسيوية الأولى التي تدخل نادي مستكشفي الكوكب الأحمر والرابعة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وروسيا.
وألف مبروك هنا لدولة الهند!! نعم. إنها قدرة الإنسان الهندي على التحدي وتحقيق المستحيل.. كما أن الذي يهم من مثالي هذا هو أن الهند بدأت تستفيد من تطور بحثها العلمي ومن الاستثمار في الموارد البشرية والتكنولوجيا المتطورة. ووصول الهند إلى كوكب المريخ يوحي لكل متتبع حصيف أن المجتمعات التي ستهيمن أكثر على العالم هي المجتمعات المبنية على المعرفة والمهارة والبحث العلمي المتطور والابتكار.
والوطن العربي يسجل للأسف تأخرًا كبيرًا في هذا المجال؛ فإذا أخذت مثلا التصنيفات الدولية العالمية المعتمدة للجامعات كتصنيف شنغاي، فالريادة دائما للولايات المتحدة الأمريكية ثم بريطانيا ثم آسيا. وهذا التصنيف يعتمد فيما يعتمد عليه على البحث العلمي المتميز المنشور في دوريات عالمية (40 %)،كثرة الرجوع والإحالات إلى أبحاث أعضاء هيئة التدريس (20 %)، حجم الأداء الأكاديمي قياساً إلى حجم المؤسسة (10 %)، الانفتاح، الحضور والتأثير للمؤسسة العلمية في المؤتمرات والندوات الإقليمية والعالمية، فضلاً عن عدد الحاصلين على جوائز التفوق (خريجون وأساتذة) في التخصص وأبرزها جوائز نوبل (30 %) والجامعات العربية دائما في ترتيب متأخر جدا.
أولئك الذين حصلوا على جائزة نوبل للاقتصاد لهاته السنة هم أساتذة جامعيون، ولكن مجتمعهم يسمح لهم بتلك المزاوجة الفريدة بين الجوانب النظرية والتطبيقية؛ إذ تفتح لهم المؤسسات والشركات والمراكز أبوابها لتسفيد من نتائج أبحاثهم وتبلورها في سياسات عمومية يستفيد منها الجميع. والسيدة إستر دوفلو وهي أستاذة جامعية مبرزة في الاقتصاد وثاني امرأة تنال جائزة نوبل للاقتصاد، خولتها أعمالها لكي يختارها سلفا البيت الأبيض مستشارةً للرئيس باراك أوباما بشأن مسائل التنمية عبر انضمامها إلى اللجنة الجديدة من أجل التنمية العالمية؛ ويقيني أن مجتمعاتنا لن تتقدم إذا لم تغير منهاج بلورة سياساتها العمومية وإذا لم تشرك فيها كل الفاعلين الحقيقيين.