شهدت مناطق المملكة خلال السنوات الأخيرة مشاريع وجهود لترميم المباني التراثية من منازل وقصور وبلدات بتضافر جهود ودعم عدد من الجهات وفي مقدمتها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ووزارة الشئون البلدية والقروية ممثلة في أمانات المناطق.
وقد كان من اللافت تسابق الأهالي والمجتمعات المحلية في دعم هذه الجهود من خلال تبني ترميم بلداتهم التراثية، حتى سجلت المملكة نماذج مشرفة ومميزة نذكر بعضا منها في هذا التحقيق.
بلدة أشيقر
أصبحت بلدة أشيقر التراثية وجهة للسياح بعد أن بادر الأهالي بترميم مبانيهم الطينية لتتضافر معها بعد ذلك دعم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وتصبح هذه البلدة أكثر البلدات التراثية جاهزية للرحلات السياحية ليس على مستوى منطقة الرياض بل وعلى مستوى المملكة.
وتتميز بلدة أشيقر التراثية بجمال عمارتها التراثية، حيث بنيت جدرانها من لبن الطين، وسقفت غرفها وممراتها بأخشاب الأثل وغطيت الفراغات بين هذه الأخشاب بسعف النخيل، وكذلك صنعت الأبواب والنوافذ وجميع الأعمال الخشبية من مواد البناء المحلية المتمثلة في جذوع النخل والأثل.
وقد بدأت أعمال الترميم في البلدة التراثية بأشيقر عام 1424هـ بعد زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز لها، حيث وجه بإعادة ترميم الممتلكات العامة كالمساجد والأسواق والدكاكين والممرات المؤدية إلى تلك المنازل، وبعد فترة وجيزة بادر المواطنون إلى ترميم منازلهم وشيدوا دار التراث الذي يعد متحفا متكاملا يعرض فيه التراث الشعبي للمدينة، وقامت الهيئة لاحقا بترميم سور القرية.
وقامت الهيئة مؤخرا بترميم سور القرية لتكتمل بذلك معظم أجزاء القرية التراثية.
ويرى رئيس لجنة الإعلام السياحي بمجلس الغرف السعودية عبد الرحمن الصانع أن قرية أشيقر مثال يحتذى لتعاضد الأهالي وتكاتفهم للخروج بقرية تراثية من طي النسيان إلى ذاكرة الوطن السياحية، مشددا على أهمية تعميم تجربة أشيقر في تأهيل القرى القديمة لكل مناطق المملكة التراثية التي تزخر بها المملكة، مشيرا أنها مقومات طبيعية تحتاج إلى عناية وتأهيل.
قرية رجال ألمع
تعد قرية رجال ألمع التراثية بمنطقة عسير وجهة سياحية لكثير من زوار منطقة عسير حيث أنها توفر الكثير من العوامل التاريخية والثقافية والتراثية والطبيعية من خلال طبيعتها وضيافة أهلها وثقافتهم وتميز مبانيها التراثية التي عمل الأهالي على ترميمها والمحافظة عليها.
وتتكون القرية من نحو 60 مبنىً بنيت من الحجارة الطبيعية والطين والأخشاب، وتتألف القصور من عدة أدوار وهي تعرف بالحصون. وتحتوي على متحف تراثي قام بإنشائه أهالي القرية لإنقاذ تراثهم الإقليمي.
وقد أشاد الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سابقا بمبادرة أهالي قرية رجال ألمع مبيناً أن حرص أهالي القرية واحتفائهم بقريتهم وتراثهم يعد نموذجا يحتذى.
وأكد على أن قرية رجال ألمع هي التي قدمت نفسها وأهلها هم الذين بدأوا في تأهيل قريتهم والاستفادة منها اقتصاديا وسياحيا ونحن نتعلم منهم وواجب علينا مساعدتهم ودعمهم من خلال هذا المشروع والمحافظة على قريتهم التراثية انطلاقا من أهمية تراثنا الوطني.
وتم تنفيذ مشروع لتأهيل القرية ضمن مشاريع تنمية القرى التراثية الذي تتعاون فيها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني مع الأمانات والبلديات والمجتمعات المحلية، وشمل ترميم البيوت التراثية في البلدة، وإنشاء متاحف ومركز للزوار ومسرح مفتوح للاحتفالات.
والقرية من المواقع التي يتم الإعداد لتسجيلها في قائمة التراث العالمي باليونسكو.
البلدات الطينية في نجران
وفي منطقة نجران قام الأهالي خلال السنوات الماضية بعمل ملفت من خلال ترميم عدد من القرى التراثية الطينية المعروفة بكثرتها وتعدد خصائصها الفنية والمعمارية.
وعلى ضفتي وادي نجران الشهير والعريق تنتشر حوالي 33 قرية طينية، تبدأ من «زور وداعة» القريب من سد نجران، حتى «رجلا» الجنوبية، إلى قرية «آل منجم» من الجهة الشمالية، حيث بادر مُلّاك القرى التراثية في منطقة نجران بترميم مبانيها كبادرة وطنية ذاتية نابعة من وعيهم بأهمية الإرث التاريخي الوطني وأهمية المحافظة عليه.
وتشتمل كل قرية تراثية على العديد من المباني المختلفة في المسميات وفي الشكل وطريقة البناء، ويمثل كل واحد منها مشهداً على الإبداع والرؤى الفنية والمزاج الجمالي، حيث تظهر عناصر الفن والتميز والأصالة في شتى تفاصيل البناء.
وقد قدم مدير عام هيئة السياحة والتراث بمنطقة نجران صالح آل مريح شكره لأهالي المنطقة من ملاّك القرى والبيوت الطينية، الذين قاموا بترميمها وتولي مشروعات المحافظة عليها ونظافتها، لافتا إلى أن المنطقة تعد الأعلى من حيث عدد البيوت الطينية التي قام الأهالي بترميمها على مستوى المملكة.
البلدة التاريخية في شقراء
وفي منطقة الرياض تحتضن محافظة شقراء أحد المشاريع السياحية والتراثية الرائدة وهي البلدة التاريخية في وسط شقراء التي كان للمجتمع المحلي وخاصة رجال الأعمال الدور البارز في إحيائها وترميمها.
وبالإضافة إلى ما يحيط بمدينة شقراء من متنزهات صحراوية جميلة، فقد تضافرت جهود الأهالي لترميم منطقة وسط شقراء التاريخي ليصبح من أهم مواقع الجذب السياحي في منطقة الرياض.
وتمثل البلدة التراثية في شقراء نمط المدن النجدية التقليدية بمساجدها وأسواقها وبيوتها، وأعيد ترميم بعض مرافق البلدة وممراتها ومنازلها ومسجدها القديم من قبل أصحابها وبعض الداعمين من الوجهاء والأعيان.
وكان الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز قد أشاد بالمبادرات الرائعة من قبل أهالي محافظة شقراء تجاه بلدتهم التراثية، مشيرا إلى أن ذلك ليس بمستغرب عليهم.
وأضاف:» أحيي أهل شقراء على اهتمامهم بالتراث، وأهالي شقراء انطلقوا حول العالم وتعلموا فمنهم التجار والعلماء، واهتمامهم بالتراث يعطي دلائل على أن أهل شقراء مخلصون محبون لوطنهم».
قرى القصيم
تزخر منطقة القصيم بعدد من مواقع التراث العمراني المميزة التي تم ترميمها وتأهيلها بجهود من المجتمعات المحلية، من أبرزها قرية المذنب التراثية التي تعد قرية تراثية متكاملة تشهد العديد من الفعاليات على مدار العام، وذلك بعد الانتهاء من ترميمها.
وتعتبر بلدة «المذنب» التراثية نموذجاً حياً وشاهداً باقياً على التخطيط العمراني والسكني السائد في منطقة نجد في الماضي، فالبلدة بمبانيها وشوارعها وسوقها وجامعها الكبير تجسد صورة نموذجية للتجمعات السكنية المتناثرة وسط نجد.
ويعود تاريخ البلدة إلى أكثر من 700 عام مضت، وقد تم إعادة تشغيلها وتهيئتها من قبل الأهالي بالتضامن مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وبلدية محافظة المذنب لتتحول إلى أحد المواقع السياحية في منطقة القصيم، وحققت القرية جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني كأول مدينة تراثية متكاملة تم تشغيلها دون تدخل أو إعادة بناء بالموارد الحديثة.
وفي منطقة القصيم أيضا تعد بلدة الخبراء التراثية من أهم البلدات التراثية بمنطقة القصيم والمملكة بشكل عام لما تحمله من فن معماري ونسيج عمراني فريد من نوعه.
وقد أسهم أهالي القرية بالتضامن مع البلدية وفرع هيئة السياحة والتراث بترميم عدد كبير من المباني التراثية.
حيث تم ترميم عدد كبير من بيوت القرية التراثية المكونة من طابق أو طابقين تتوسطها ساحة كبيرة.