محمد آل الشيخ
ما يجري في الرياض في هذا الموسم الترفيهي هو بكل المقاييس تغيير تاريخي ونوعي سيكون له أعمق الأثر في تغيير ليس المملكة فحسب، وإنما في كل المنطقة العربية، من المحيط إلى الخليج. ومن الطبيعي والطبيعي جدا أن تكون هناك ردود أفعال متفاوتة على هذه الفعاليات التي لم يعرفها مجتمعنا قط في تاريخه، فمجتمعنا كان إلى ما قبل ثلاث سنوات مجتمعا مغلقا، محافظا إلى درجة التزمت في كثير من وجوهه، لتأتي هذه (الصدمة) الحضارية والانفتاحية على المجتمع الخارجي والأهم من كل ذلك (قبول الآخر) الذي يحمل ثقافة مختلفة عن ثقافتنا الموروثة. ومن رصد (انفتاح) المملكة منذ عهد المؤسس -رحمه الله- وحتى اليوم سيلحظ بوضوح أن انتقال المجتمع إلى المدنية اعترضته عوائق وعقبات، لكن الإصرار والحزم، كانا كفيلان بفرض الأمر الواقع، ليجد المحافظون، أو قل المعارضون، مع هذه النقلات أنفسهم يواكبون، ويقبلون ما كانوا يرفضونه بالأمس وهكذا دواليك. وقد عرفت مجتمعات كثيرة مثل هذه النقلات، وكان لها الكثير من المعارضين ممن يصرون إما على الثبات حيث هم، أو من يعملون بكل قوة إلى العودة إلى الماضي، لأن الإنسان، والإنسان العربي على وجه الخصوص، يخشى التغيير الذي يجهله، ويصر على الواقع الذي يعرف كيف يتعامل معه من خلال تجاربه الحياتية. وسوف يتذكر السعوديون هذا الموسم، والتغيرات التي تجري فيه، ويروونه لأبنائهم وأحفادهم، كما نتذكر اليوم بكثير من الدهشة أولئك الذين عارضوا البرقية والتنقيب عن النفط وتعليم المرأة والبث التلفزيوني.
ولأن المملكة دون أي مبالغة دولة محورية في المنطقة، وتأثيرها يذهب مداه إلى خارج الحدود، فإنني على ثقة أن انفتاح المملكة، الذي يقوده أميرنا الأمل محمد بن سلمان ستمتد تأثيراته إلى خارج بلادنا، وفي الوقت نفسه سيجد دعاة التخلف أنفسهم على هامش المجتمع، بعد أن كانوا في الفترات الظلامية هم رواده والمؤثرون في توجيه ثقافته. وهناك بعض المتشائمين الذين يزعمون أن تغيير الثقافة الاجتماعية لا يأتي من الأعلى ولكن يجب أن يكون من الأسفل، كي يكون لمثل هذه التجارب البقاء والاستمرار. وهذا غير صحيح حسب ما علمتنا التجارب التاريخية، فالناس كما يقول العرب على دين ملوكهم، بمعنى أن أي عملية تاريخية لا تحميها سلطات الدولة سيكون في الغالب مصيرها الفشل، فالتحولات التاريخية إذا لم تكتنفها (القوة) سيكون مصيرها الحتمي هو الفشل، والعكس صحيح، وأقرب مثل على ما أقول تجاربنا الذي ابتدأها أول من ابتدأها الملك المؤسس، فقد واجه معارضة من قبل مجتمعاتنا في البداية، لكن إصراره جعل هذه القناعة مع الزمن تنتقل من القمة ليتبناها المجتمع، حتى أصبحت هذه القضايا التي كانت مرفوضة في الأمس بمثابة الحقوق لإنسان اليوم؛ لذلك فإن القول بضرورة قناعة القاع قبل القيادة يتاقض تماما مع مسيرة الحداثة والتحضر التي أطلق أول خطواتها الملك المؤسس.
كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة إن موسم الرياض الذي نتعايش مع فعالياته هذه الأيام هو انتقال حضاري سيتحدث عنه أحفادنا كثيراً.
إلى اللقاء