د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
بحسابات «الديموجرافيا» فإن الشباب هم «نصف» الحاضر، وبحسابات «الزمن» فإنهم «كل» المستقبل. هاتان الحقيقتان أصبحتا من الحقائق التاريخية المهمة في المجتمعات التي تدركُ حيوية شبابها، وأهمية الدور الذي يمكن أن يضطلعوا به في بناء أممهم.
وفي الدولة التنموية الحديثة، فإن الشباب، وكما جاء على لسان الملك سلمان «فإنهم الثروة الحقيقية في كل أمة، فهم الأغلبية عددًا، والطاقة الناشطة المتجددة دومًا، التي تمثل عصب التنمية وذخيرتها، وأن تكوين الشباب وصياغة عقولهم وأفكارهم، مسؤولية وطنية كبيرة لا ينبغي تجاهلها أو التفريط فيها». ومن هذا المنطلق، يؤكد الملك سلمان دائماً، حرص القيادة السعودية على تلمس احتياجات الشباب ودعمهم، وتعزيز مشاركتهم في المجتمع، وحثهم على مواصلة العمل في مختلف مجالات الحياة.
يقوم دعم الملك سلمان للشباب على أسس علمية، وانطلاقاً من حقائق ديموجرافية، فضلاً عن ضرورات وطنية، وخيارات وأولويات استراتيجية مستقبلية، حيث تستحوذ شريحة الشباب السعودي على النسبة الأكبر من التركيبة السكانية للمجتمع، وتكوّن الأغلبية النسبية في تشكيل المجتمع، إذ يزيد تعداد الشباب من إجمالي عدد سكان المملكة على 60 في المئة. وقد لفت الكثير من المتخصّصين في هذا المجال، أن هذه التركيبة السكانية، تشكّلت في ظل الرفاه الاقتصادي الذي عاشته المملكة خلال تاريخها، والذي ساهم في وجود نمو سكاني عال.
ووفقاً لتغطية قامت بها صحيفة الشرق الأوسط حول «صناعة القياديين والمبدعين في المملكة» فقد تزامنت التغيّرات في البيئة السكانية السعودية، مع تكوين «مجتمع شاب» مع ارتفاع مستوى التعليم والطموح الذي تنتهجه السعودية، وأنه في هذا السّياق، ولدت مواهب وقدرات لدى الشباب، كانت بحاجة إلى مظلة تحتويها، وتحويل تلك المواهب والقدرات لدى الشباب والشابات السعوديات، للقيمة الإضافية نحو المجتمع، الأمر الذي قرأه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، منذ بدايات تأثير الشباب في المجتمع السعودي.
إن اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بالشباب يتجاوز «النظرية» إلى «التطبيق»، وينتقل «بالفكر» من فضاء الحلم إلى أرض «العمل» والإنجاز، وتأتي قراراته التاريخية باختيار مجموعة من الشباب لمراكز قيادية في البلاد، إنجازاً استراتيجياً في هذا المجال، وقفزة واسعة على طريق «تمكين» الشباب وإعدادهم لتولّي القيادة، وذلك بإشراكهم في عملية صناعة القرار، الأمر الذي يُعَدُّ نقلة «نوعية» في الإدارة السعودية، تعكس حرص الملك سلمان على أن يضعَ رؤيتَه لدور الشباب في بناء الوطن، وموقعه من مستقبل المملكة، في مجال «العمل» و»الفعل» و»التطبيق».
ومن الملاحظ، أن اهتمام الملك سلمان بالشباب وقضاياه، وحرصه على توفير كل الظروف المتاحة والملائمة لمشاركة واسعة منهم في خدمة الوطن، وإتاحة الفرصة لهم لكي يسهموا في الشأن العام، ويشاركوا في عملية التنمية، أدت إلى إطلاقه - سلمه الله - عملية واسعة لتحقيق المشاركة الشبابية في خدمة الوطن، وإعداد شباب المملكة في كافة مناطقها ومدنها، لكي يساهموا في بناء مستقبل بلادهم، خاصة من خلال الاقتصاد، الذي يعد واحداً من أهم المحاور التي تقوم عليها نهضة أي مجتمع، كما يعد بيئة خصبة لإعداد الشباب في الإدارة وعملية صنع القرار، ومواجهة المتغيّرات والتصرف إزاءها.
فقد جاء ذلك الاهتمام من لدن الملك سلمان، عبر تدشين «مركز الملك سلمان لشباب الأعمال» الذي يوفر، وفق موقع المركز «نادياً وملتقى لتجمع الشباب بمختلف فئاتهم العمرية، ويتيح لأي شاب أن يستفيد من خدماته، كما يتيح فرصا لتكوين علاقات عمل مثمرة، وتبادل الخبرات مع صناع القرار وأصحاب المراكز القيادية، من خلال لقاءات دورية منتظمة، بالإضافة لمكتبة كبيرة تضم بين جنباتها مختلف الكتب والمراجع والبرمجيات، التي توفر للشباب مصادر مهمة، للثقافة والعلم والاستزادة من المعرفة، بحيث تساعدهم على الانطلاق، والاستفادة من الحلول المطروحة، التي تمثل ثماراً لتجارب ناجحة، صنعها رجال شقوا طريقهم، وحققوا أهدافهم، ووصلوا لما كانوا يحلمون به».
وينطلق مركز الملك سلمان، الذي يضم قسماً خاصاً بالفتيات والسيدات، ينطلق من «رؤية» تعمل على تحقيق الريادة لخدمة وتأهيل وإبراز الشباب، ويسعى إلى تحقيق رسالة تتمحور حول تأسيس وتجذير ثقافة التميز، وترسيخ روح المبادرة، والمساهمة في بناء جيل مبدع من قادة المستقبل، ليسهموا في دفع مسيرة تقدم الوطن وازدهاره.
كل هذا الاهتمام بالشباب السعودي، وما ينطوي عليه من ممارسات عملية، وتجليّاته في أفكار تم تطبيقها من خلال مبادرات وبرامج وجوائز، لفت أنظارَ المراقبين والمعنيّين بالشأن السعودي، كما استدعى متابعَتَهم لتوجّهات الملك سلمان ورؤيته في مجال الشباب، وقام بعضُهم بدراسة هذه البرامج والمبادرات وتأثيراتها في التطبيق العملي، وكيفية تعاطي الشباب مع هذه البرامج والمبادرات واستفادتهم منها.
وفِي هذا الإطار، فقد أكدت سفيرة مجلس الوحدة الإعلامية العربية، أن الشباب السعودي استطاع أن يمثل وطنه خير تمثيل في المحافل الدولية والعالمية، مشيرة إلى أن خادم الحرمين الشريفين، يقود مسيرة الشباب السعودي من أجل خدمة الوطن والعالم، وأن الملك سلمان ومن خلال خطط التنمية، شَدّدَ على أن الشباب هم ركيزة الأمة والبناء الحضاري نحو السلام.
وأوضحت أن الإنجازات العلمية والأكاديمية والبحثية والاكتشافات المهمة، وبراءات الاختراع التي سجلت لصالح الشباب السعودي في مختلف التخصصات وفي أعرق الجامعات العالمية، تشير إلى أن الشباب السعودي يعد أنموذجا للشباب في مختلف أنحاء العالم، لافتة إلى أن قيمة الإنجاز الذي يحققه السعوديون، مثل حصول 130 مبتعثاً سعودياً على جوائز نظير أدائهم الاستثنائي في امتحانات كمبردج، وكذلك حصول 30 مبتعثاً سعودياً على أعلى درجات في العالم، و26 مبتعثاً حققوا أعلى الدرجات على مستوى المملكة في موضوع واحد، وأحرزوا أعلى مجموع علامات تراكمية، يشير إلى كفاءة الشباب على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
ونوّهَت السفيرة عبير خليل بقدرات الشباب السعودي ومهاراتهم، موضّحة أن الشباب السعودي «استطاع أيضاً على مستوى العمل الإنساني، تقديم صورة زاهية تعكس طبيعة المجتمع السعودي، وذلك من خلال إنشاء المبادرات الوطنية والإنسانية التي تدخل في إطار المسؤولية الاجتماعية».
ويمكن القولُ إن توجهات الملك سلمان بن عبد العزيز في مجال الشباب، كانت محلّ اهتمام الكثير من الباحثين في التجربة السعودية وتجليّاتها في التنمية الشبابية خاصة، وتنمية الموارد البشرية الشّابة بوجه عام. ويرى فهد العجلان، في مقالة له في جريدة الجزيرة «بأن التاريخ سيحفظ للملك سلمان بن عبد العزيز أنه أول من وثق بالشباب، ليسلمه مواقع القيادة والمسؤولية، على رأس هرم الوزارات والمؤسسات الحكومية، وهو قرار ترجم ثقته في استثمار الحكومة في رأس المال البشري النوعي لعقود طويلة، وأن قراراً بهذا الحجم، يعكس قرب الملك سلمان من الشباب، ووعيه بدورهم خلال المرحلة القادمة، وهو ما سينعكس إيجاباً، على سرعة وفاعلية الأداء».
إن النموذج الذي يقدمه الملك سلمان بن عبد العزيز في مجال العمل من أجل الشباب، والمثل الذي يقدمه قائد البلاد، يطرح على كافة المؤسسات والهيئات والأجهزة المعنيّة بالشباب ، مهمات ومسؤوليات كبيرة على كافة الأصعدة، من التعليم العام والعالي، والثقافة، والإعلام، والهيئة العامة للشباب وغيرها، أسلوباً معاصراً في معالجة قضايا الشباب، والعمل على فتح قنوات معاصرة في التنمية الشبابية، والحوار مع الشباب، وفتح الأبواب التي تمكنهم من أداء أدوارهم الوطنية في خدمة البلاد.
وربما كان من المهم في هذا الإطار، أن نشير إلى أهمية الالتفات، إلى حد الإنصات، إلى أصوات الشباب في وسائط الاتصال المعاصرة، وخاصة ما يتعلق منه بـ«الإعلام البديل»، حيث يطرح الشباب رؤى جديدة، لعلها قادرة على أن تُسهمَ بعمق في خدمة وطنهم، خاصة فيما يتعلق بالصورة «النمطية» الظالمة التي نظرت إلينا من خلالها أغلبية في دول الغرب، بينما يرد شبابنا، من خلال أداء عملي ناجح ونماذج مشرّفة في مجالات عدّة على هذه الصورة النمطية الفاسدة، حيث يقدمنا إعلام الشباب البديل إلى العالم اليوم، من خلال إنتاج صور جديدة مشرفة لنا أمام أنفسنا، وليس أمام الآخرين وحسب. إنها صورة المواطنة والمواطن، اللذين تربطهما بوطنهما علاقة عشق واع، وليست علاقة عالة وكلالة. وهي صورة تضم في إطارها أطيافاً عدة، شباباً وشابات من مختلف الخلفيات الاجتماعية والمشارب الثقافية.
إن الاستثمار في الشباب، هي «الرسالة» المهمة، بل الأهم، التي يرسلها الملك سلمان إلى كافة مؤسسات الوطن وأجهزته، من خلال تلك «الأوعية» و»القنوات» الرائدة، من مركز الملك سلمان للشباب، إلى جائزة الشباب، مروراً بمعهد الملك سلمان لريادة الأعمال، وبرنامج دعم المبادرات المجتمعية الشبابية، وغيره من المبادرات والبرامج التي تعمل في خدمة الشباب.
وفِي هذا الصدد، كتبت الدكتورة فوزية أبو خالد مقالة لها في هذه الصحيفة أكدت من خلالها على «أن منح الأولوية في العمل مع الشباب ومن أجل الشباب، رسالة تستحق أن تعطيها أجهزتنا المعنيّة كل اهتمامها، اقتراباً من الشباب، والاستماع إلى أصواتهم، التي ينبغي أن نسعى إليها أينما كانت، وحيث نجدها، خاصة في وسائط الاتصال، وأدوات ما يُسَمّى الإعلام البديل».