خالد الربيعان
أنت تجلس «تقهوى» والمباراة قدامك على الشاشة، صوت المعلِّق مُمِلْ رتيب! فالنتيجة محسومة، ناديك أقوى، تأخذ تمرة، ثم «رشفة»، قطعة شيكولاتة، ثم رشفة، قطعة «حَلَىَ»، ثم «فجأة تقف يدك الماسكة بالفنجال أمام هذا المشهد، لاعبو الفريق المنافس الضعيف جداً «يجنْدِلون» مدافعي فريقك، «يُمطِرون» شباك ناديك، قصف مدفعي لا تعرف له سبباً ولا تستطيع لأهدافهم عدَّا! الفريق الآخر الضعيف أصبح فريق «الكابتن ماجد وحارسهم بسام»!
لاعبو ناديك لا تعرف ماذا بهم، إنهم تائهون، تتساءل: هل دسَّ لهم أحد «المهدئات» لينزلوا الملعب ليتحرّكوا كما «الزومبي»؟!
الإجابة نعم، هذا قد يحدث، هلاَّ حدثتك عن قصة «باولوني»؟! إذن هات «دلة قهوتك» وأكمل المقال!
* * *
المال في الرياضة ورغم كبر الأرقام التي تقرأها والتي هي من عشرات الأصفار! مليارات، على كبرها وضخامتها فهي لا تمثّل إلا ما يبدو من جبل الثلج في محيط، ربعه فقط ما نرى، والباقي -الأضخم- يقبع تحت الماء.. يمكنك أن تسميه بثقة: سوق «المراهنات»! ذلك الاقتصاد الرياضي الـ»تحت أرضي»: حجمه يقترب من 250 مليار دولار، 25.. بجانبها عشرة أصفار!
قصتنا حول «دان تان» الشبيه الاسم ببطل الأطفال» تان تان»، لكن هذا - الأول- بطل المراهنات، كان يربح من التلاعب في مباريات كرة القدم بالدوري الإيطالي في 90 دقيقة ما يقرب من 20 مليون دولار! والدائرة المالية هذه لها أطراف عديدة، لا تستبعد حتى «العمال»! فقد كان يتواصل معهم لإطفاء أنوار الإستاد لتتوقف المباراة لتخرج النتيجة كما يريد! حدث بالفعل في مباراة برشلونة وفنربخشة في دوري أبطال أوروبا 2002، أوقف الحكم المباراة وأعادها بعد فشل مخطط هذا الرجل، بفضل مولِّد احتياطي في إستاد الفريق التركي بإسطنبول!
دان تان، السنغافوري كان مديراً لشركة مراهنات وصلت لمحاولة شراء ناد بالكامل بفنلندا: على سبيل الاستثمار الرياضي! كان يراهن ويدير مراهنات بملايين حول العالم، عبر شركات بدول عديدة أبرزها بنما وسنغافورة ودول البلقان في أوروبا، وفي رياضات عديدة من سباقات الخيول حتى كرة القدم، إلى أن وصل لأكبر «محاولة نصب» عندما قرَّر التربح من مباريات الدوري الإيطالي.
«دان تان» قام برشوة العشرات في إيطاليا، حكام، لاعبين، عمال، موظفين، زعماء المافيا الإيطالية ورجال عصاباتها المختلفة مثل كامورا، كوزا نوسترا، كما تحب! كان يرسل مندوباً له كي يبتعد هو عن الأضواء، هذا المندوب زار إيطاليا في 2009 فقط أكثر من 15 مرة، للترتيب مع جميع الأطراف لتغيير نتائج المباريات في جميع درجات الدوري الإيطالي أو (الكالتشيو)، سيرا A و B تحديداً.
ما كشف الأمر كله هو «باولوني»، كان حارس مرمى في إيطاليا، كانت نقطة ضعفه حبه للقمار! أصبحت عليه ديون عديدة، لتسديدها اضطر للتعاون مع «دان تان»: عبر رجال المافيا الإيطالية الذين «قدّموا له عرضاً لا يستطيع أن يرفضه» كما في فيلم الأب الروحي تماماً! تتعاون لتسديد الديون وإلاَّ، غير هذا فهو أصبح «وكيلاً» لإحدى شركات «دان تان» في إيطاليا وتلاعب بنتائج مباريات عديدة، حتى التي لا يشارك فيها ناديه!
باولوني وضع حبوباً مخدّرة في زجاجات المياه (لزملائه) بنادي «كريمونينسي»، في مباراتهم أمام «باجانيزي»! كي يخسروا المباراة، اشتبهت الشرطة بالأمر بعد السلوك الغريب للاعبين وتساقط بعضهم أرضاً، بعد المباراة أحد زملاء باولوني تفادى حادثاً بعدما انحرف بسيارته في طريق عودته..كما لو كان مُخدَّراً!
التحقيق مع باولوني كشف عن السنغافوري! الذي لاحقه اليوروبول -الشرطة الجنائية بدول اليورو- والإنتربول -الشرطة الجنائية الدولية- بالتعاون مع «فيفا» حتى أوقعوا به.. لكن الأهم: أن «مخدرات باولوني» كانت الفتيل الذي كشف توغُّل نشاط القمار والمراهنات في الكرة الإيطالية والعالمية.. بأذرع طويلة «أخطبوطية»!
سكوميسِّي!
سقوط هذا الـ باولوني كان حجر الدومينو الذي أسقط العشرات من اللاعبين يقترب عددهم من 40 لاعباً بعضهم ذوو أسماء رنّانة، والتحقيق مع مدربين مثل «أنطونيو كونتي» -بالطبع تعرفه - الذي كان مدرباً لنادي سيينا وقتها، عوقب اللاعبين بالحظر من 3 لـ5 سنوات عن ممارسة كرة القدم، وعقاب بالتهبيط والغرامة وخصم من 4 لـ9 نقاط لـ15 نادياً إيطالياً أهمها فيرونا و أتلانتا وساسولو، في هزَّة عنيفة للكرة الإيطالية، سُمِّيَت كالتشيو سكوميسِّي أي .. «رهان الكالتشيو»!