شريفة الشملان
جزيرة صغيرة في المحيط الهادي، بل أصغر دولة جزيرة. تعداد سكانها 13.600 على مساحة 21 كيلومتراً. تكاد تساوي حياً من أحياء المدن الطبيعية.
كانت تُسمى الجزيرة السعيدة، وسبب سعادتها غريب نوعاً ما. فهي لا تملك بترولاً، وليست صناعية لصناعات متقدِّمة كالأجهزة السلكونية من كمبيوترات وتلفونات نقَّالة وغيرها.
كان لديها جبال من الفوسفات، ومعروف أن الفوسفات يدخل في صناعات كثير مثل المنظفات والأسمدة بالإضافة لتحضير العناصر الكيمياوية التي يستفاد منها كثيراً، لذا كانت الدول والشركات تتسابق لشرائه من هذه الجزيرة الصغيرة..
حكاية جبال الفوسفات غريبة بعض الشيء لهذه الجزيرة الصغيرة، والسعيدة كانت جداً. تكونت هذه الجبال الفوسفاتية عبر أجيال وقرون.
صار دخلها كبيراً ويتضاعف كلما سحبت من هذه الجبال، بل تفوّق على دخل بعض دول الخليج العربي في الثمانينات. لسبب صغير وبسيط وسبحان الوهّاب، الغريب أن أحد مصادر الفوسفات الذي تراكم منذ سنين طويلة جداً هو الطيور البحرية التي تفرِّغ أمعاءها فوق الجزيرة، أجيال بعد أجيال تراكم فأصبح كالجبال. وأصبحت الشركات تتوافد لتشتري هذه المخلفات التي درَّت أموالاً كثيرة على هذه الجزيرة التي لا تكاد ترى على الخارطة في المحيط الهادئ.
وكبر دخل الجزيرة وكبرت أحلام أهلها، فالثروة كبيرة والعدد قليل، كان البذخ في أكبر صوره، رحلات ويخوت وعالم أبدع من الخيال الذي قد لا يعرفه أغلبنا، عالم الراحة والتباهي، والسكن في أغنى وأرقى المنتجعات العالمية والبناء الفاخر. فسميت (الجزيرة السعيدة)، أثناء ذلك نسيت أموراً مهمة أهمها تنوّع الدخل، وتنميته ليتضاعف، العناية والاهتمام بالثروة البشرية، وركيزتها الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية.
نعود للجزيرة أهلها كانوا يستمتعون وهم يصرفون أوقاتهم على الشواطئ والمنتجعات ومعاقرة اللذات كبيرها وصغيرها وأكثرها غلاءً متكئين على الذي ظنوه لا ينضب، لكنه نضب والسعادة مضت لغير رجعة.
وكانت الناقلات تنقل مخلفات الطيور والقوم يتنقّلون من مكان لآخر. وكبرت الأجسام والكروش كما قال الشاعر العراقي (تكرّشوا حتى عادوا بلا رقبة).
وانتهى الحلم وأتى الواقع انتهت جبال الفوسفات والطيور لم تعد تأتي لترمي من جديد. والمشكلة لا تنمية ولا زراعة. والأجساد كبيرة عزَّ الأكل الطازج، وعزَّ الشراء، فالدين يكبر والتسديد شبه محال. اتجه الناس لأكل المعلبات نظراً لرخصها ولكنها مليئة بالمواد الحافظة والأملاح والسكريات، لذا انتشر مرض السكري ومعه شقيقة الضغط.
هؤلاء الذين جابوا الدنيا أصبح يعضّهم الجوع والمرض، بعضهم مقطوعي الأرجل من أثر السكري.
الديون تطارد الدولة الصغيرة، أستراليا قرَّرت أن تجعل من الجزيزة سجناً للمهاجرين غير الشرعيين مقابل شطب بعض الديون ومنحهم بعضاً للعيش، لم تنته قصة هذه الجزيرة ما زالت تعاني وتضرب المثل للناس. وتذكِّرنا بالقرش الأبيض واليوم الأسود.
أوردها بهذا المقال لسبب كثر ما أجد من أخبار عن فوائض الطعام التي تُقدَّر بآلاف الأطنان. المتعة حق وإراحة النفس بين فينة وأخرى ضرورية، على أن تكون نسبة من الدخل والتوفير للمستقبل أمراً لا بد منه.
إن شراء السيارات الغريبة بأغلى الأثمان، يفرح يوماً أو يومين لكنها مجرد سيارة ستنتهي متعتها بُعيد فترة، لوحات السيارات التي يتسابق بعض المترفين على شرائها هي مجرد لوحة لن تقدِّم أو تؤخِّر (طبعاً هذا رأيي).
لهذه الملايين النازفة مرتزقة لها وسرّاق جيوب يجيدون اللعب بالعقول ويأخذون عملات بالملايين.
أتذكّر عند أكبر الفنادق في العواصم الأوربية تتوقف سيارات غالية جداً بلوحات خليجية، إنه تباه بنعمة لم تكن حصاداً لعمل وتجارة، ويضيع القرش الأبيض ولن يوجد في اليوم الأسود، فنكون أهدرنا زماننا وسرقنا حق الأجيال الذي يجب أن يصرف على الصحة والتعليم والرعاية البشرية بكل ما يزيدها قوةً وتجديداً وابتكاراً، خلق جيل منتج مكافح يعرف أن الذي يأتي يجب أن يتوالد ويكثر لا يهدر بانتظار آت قد لا يأتي.
نريد جيلاً يحترم وطنه ودولته، يفخر بدينه ولغته ويعتز بهما..
وسلامتكم ..صرّوا القرش لما قد يأتي..