د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** القراءة من داخل النص لا تشبه القراءة من خارجه؛ فهما نهجان يختص كل منهما بجمهور مختلف؛ فالذي يعظ المصلين أدبار الصلوات المكتوبة ويخطب الجمعة في فرضٍ موقوت يتوجه إلى تكثيف القراءة الداخلية من النص المعلوم دون انتظار تأثير ذي بال؛ فهو لا يعاني مشكلة مع جمهوره في التوصيل والتواصل والفهم والتفاهم فكأنه لا يضيف إلى الأذهان وإن أثْرى الوجدانَ متى امتلك البيان وأتقن التبيان.
** تستغرق الشيخَ والمريدَ دوائرُ مغلقة تفترض السمع والاقتناع من غير حاجة إلى إقناع، ولعل هذا أحدُ أسباب ضعف الخطاب الديني التقليدي الذي يتجاهل وجود خطابات أخرى ذات مرجعيةٍ مضادةٍ تُضيئها تعدديةُ المدارس ويضيف إليها امتزاجُها بثقافاتٍ واجتهادات.
** لم يعد كافيًا مجيءُ الحوار عبر مرجعيةٍ وحيدة لها الأمر والنهي، بل إنها قد تدفع بعضَ منتمي البيئة متماثلة المفردات والمعطيات إلى الخروج من الصندوق، وربما تجتذبهم مناهجُ «عقلية ونقلية» ترى غيرَ ما وعَوا واعتادوا.
** هنا تتبدى قيمة القراءة الخارجية القادمة من بيئةٍ حرةٍ تفترق في هُويتها وأفكارها وقيمها مع السائد؛ فتطرح أسئلتها دون تحفظ، وتناقش قضاياها بانفتاح، ولا تتهيب الولوج في مساحاتٍ محرمةٍ، ومن يقرأ عالم الرياضيات الأميركي المسلم (جيفري لانغ 1954) -الذي كان ملحدًا فأسلم عام 1980م- يجد أنه لم يتردد في قول ما لم يستطع معظمُ قارئي الداخل الصدعَ به مكتفين بالنص الذي لا يتفاعل مع العقول الحائرة في هذا الزمن المركب، و»لانغ» هو من استشهد -في كتابه: (حتى الملائكة تسأل: رحلة الإسلام إلى أميركا)- بمجلة أميركية وصفها بالإسلامية زعمت أن تسعة أطفال من أصل عشرةٍ مولودين لأبوين مسلمين في أميركا يلحدون، وبعيدًا عن النسبة المبالِغة التي شكك فيها «لانغ» فإنه طرح تساؤلًا مهمًا؛ فلماذا يتوجب عليهم أن يختلفوا عمن أهَّلوهم من «اللا أدريين» وديانات أخرى؟ - ص28
** المتغيرات ضخمة، والهُوية لم تعد محاطةً بسياجٍ يمنع اختراقها أو احتراقها، ومرحلة الشك التي يمر بها المراهقون لن تستقي إجاباتها من داخل النص وحده، والمطلعون يعلمون أن منظري الإلحاد يزدادون قوة، وأن بعض الدول الغربية تخصص أوقافًا لدعمهم، وشبابنا ليسوا بِدعًا واستجابتهم لن تكون آمنة.
** أغرق الخطاب الوعظي والمنبري «الدينيان» زمنًا رغدًا في لذائذ قراءة النص من داخله، وارتضوا معادلة انتشاره العددي والإعلامي وبروز رموزه المادي والمعنوي، وفات بعضَهم الالتفات إلى منهجياتٍ أخرى متأهبةٍ في انتظار وقت يُباح فيه شيءٌ من التمدد والتجدد حتى بدا للعلن ما كان مجبرًا على التخفي حريصًا على التشفي، وهو ما يعني خلل الاكتفاء وخطل الانكفاء وقيمة القراءات الشفافة المباشرة ومواجهة الخطابات الأخرى خارج النص لا داخله.
** النص يُشرق أو يُغرق.