د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن الرئيس نيكسون، السياسي البارز، الذي نجح في تحقيق كل أحلامه، وفشل في التخلّي عن عشقه للمكائد لضرب الخصوم، فقد كان طريقه للفوز بإعادة الانتخاب في معركة الرئاسة لعام 1972 ممهداً، وكان متقدّماً في كل استطلاعات الرأي، وبالتالي لم يكن بحاجة لممارسة الفساد عن طريق التجسس على خصومه، ولكنه فعل المحظور، وتجسّست إدارته على مقر حملة الحزب الديمقراطي، وهي الفضيحة التي اشتهرت باسم: «ووترقيت»، التي تكشَّفت ملابساتها لاحقاً، وهزَّت الثقة بالحراك الديمقراطي الأمريكي، ومما زاد الأمر سوءاً أن نيكسون حاول قدر المستطاع التستر على الجريمة، لأنه ببساطة كان يريد أن يدخل التاريخ كرئيس استثنائي، وهو بالفعل كان كذلك، لولا هذه الفضيحة، وفي سبيل محاولات التغطية، ارتكب نيكسون مخالفات بالجملة، كان أخطرها تلك الأحداث، التي اصطلح على تسميتها بـ:«مجزرة ليلة السبت».
عندما طلب المحقق الخاص في قضية ووترقيت، ارشبولد كوكس، من الرئيس نيكسون تسليم التسجيلات، التي تتضمن محادثات الرئيس في المكتب البيضاوي، رفض الأخير ذلك، ومن تعقيدات النظام العدلي في أمريكا ومتانته، أن الرئيس، الذي يرشح وزير العدل ويستطيع إقالته، لا يستطيع - قانونياً - أن يعزل المحقق الخاص، المعيّن من قبل وزير العدل! فمن يستطيع إقالة المحقق الخاص هو وزير العدل فقط، ومن هنا بدأت مأساة نيكسون، وجاءت ملابسات «مجزرة ليلة السبت»، في العشرين من أكتوبر لعام 1973، التي أطاحت به، فقد طلب نيكسون من وزير العدل، اليت ريتشاردسون، أن يعزل المحقق الخاص في قضية ووترقيت، فرفض الوزير ثم استقال، ثم طلب نيكسون من نائب وزير العدل، وليام ريكالشواس، أن يعزل المحقق الخاص، فرفض هو الآخر ثم استقال، فطلب نيكسون من الشخصية الثالثة في وزارة العدل، روبرت بورك، أن يعزل المحقق الخاص، فاستجاب، وعزل المحقق، فثار الجميع على نيكسون، واتهموه بعرقلة سير العدالة، وانتهى الأمر باستقالته.
الرئيس نيكسون شخصية معقدة للغاية، حيَّر المؤرِّخين والشعب الأمريكي، فهو ذكي للغاية، وسياسي من طراز رفيع، ولكنه شخص يصعب الاقتراب منه حتى لأقرب العاملين معه، فهو لا يثق بأحد، وبالتالي حذر لدرجة مرضية، وهذا الشك هو الذي جعله يعتقد أن الجميع عدو له، وبالتالي يرتكب حادثة التجسس الغبية، التي أطاحت به، مع أنه لم يكن بحاجة لها أصلاً كما أسلفنا، والخلاصة هي أن المؤرِّخين يعتقدون أن نيكسون له تصنيفان، تصنيف دون فضيحة ووترقيت، وهذا يجعله ضمن أفضل الرؤساء، وتصنيف مع الفضيحة، يجعله ضمن الأسوأ، وبالتالي فهو في مناطق الوسط، وهذا في تقديري تصنيف عادل!