د. فوزية البكر
أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي نافذة كبيرة لرؤية الأسر من الداخل سواء تعلق الأمر بسنابات السيدات التي لا تتوقف حول بيوتهن وحفلاتهن وأعراسهن أو هي المقاطع الكثيرة المنتشرة عبر الواتساب لما يحدث داخل هذه المنازل من مقالب (سخيفة في معظم الوقت) وما قد يحدث من مظاهر عنف تقشعر لها الأبدان وقد يتعرض لها صغار السن أو النساء أو كبار السن أو ذوي الاحتياجات الخاصة والتي سمحت وسائل التواصل الحديث بإيصالها إلينا جميعاً.
تراجع سيدة عمرها 62 سنة القسم النفسي في أحد المستشفيات الحكومية بعد أن سألت حالتها الصحية للدرجة التي لم تعد قادرة على تمييز عالمها أو التواصل مع من حولها وبعد الفحوص الطبية والجلسات ومراجعات الإخصائيات الاجتماعيات تبين أن هذه السيدة وعلى مدي أكثر من 35 عاماً أو أكثر قد تعرضت لعنف مستمر من زوجها باختلاف أنواع العنف: الجنسي والجسدي واللفظي والتحطيم المعنوي ولم تكن تعرف (ثقافياً) أن هذا عنف فهي قد تم إقناعها (اجتماعياً وثقافياً) بأنها ملك لزوجها الذي عقد بها (فهو عقد) أي: بيع وشراء بينه وبين أهلها وكذا الزوج الذي كان يري بأن المرأة ملك له يستطيع أن يفعل بها ما شاء فهو لا يراها كينونة قائمة بذاتها بل هي أداة جنسية تملك عقلاً أقل منه ولا تملك إرادة مستقلة (وهذا أيضاً يتبع عمليات (التطبيع والتنشئة الاجتماعية) التي تقوي مفهوم الذكورة مقابل أضعاف مفهوم الأنوثة بحيث يصبح الذكر في حياة المرأة سيد قومه.
وتذكر د. مها المنيف في ورقتها المقدمة لملتقي التنمية الخليجي الذي انعقد في الكويت فبراير 2019 أن ظاهرة العنف ضد المرأة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقوق الإنسان وبحجم الفجوة الجندرية أو نوع الجنس فكلما زادت هذه الفجوة زاد انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة: أي كلما تم تصعيد ظاهرة الذكورة مقابل الضعف الأنثوي تزداد معدلات العنف ضد المرأة.
وفي دراسة قامت بها د. الجوهرة القويز على أكثر من 1880 امرأة متزوجة في مدينة الرياض وجدت أن معدل انتشار العنف ضدهن كان 43 % بالمجمل أي أن قرابة نصف العينة اعترفت بتعرضها للعنف بشتي أشكاله!!..
وكانت الفئة الأكثر عرضة هن النساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 30 - 40 سنة وكان العنف النفسي المتمثل بالسلطة والتحكم هو الأكثر انتشاراً بنسبة 37 % يتبعه العنف اللفظي بنسية 22 % ومن ثم الجسدي 12.7 % وبالنظر إلى المعتدي فقد كلن الزوج هو المعتدي في معظم الحالات.
ورغم أن المملكة قد قامت بخطوات واسعة من الناحية القانونية للحد من الإيذاء الواقع على المرأة أو الطفل مثل إقرار نظام الحماية من الإيذاء عام 2013 ونظام حماية الطفل 2014 ونظام الحماية من التحرش الجنسي 2018 إلا أنه وكما يذكر الكثير من الباحثين في الشئون الاجتماعية أن ظاهرة العنف ضد المرأة والطفل كبيرة، ولكنها تبقي خلف أبواب المنازل وتمارس في الظلام وتحد العادات والتقاليد والأعراف من وصولها لأعين السلطة.
هذا لأن ظاهرة العنف وخاصة على النساء والأطفال هو تعبير اجتماعي أحياناً لما يرى الرجل أنه من (ضمن ممتلكاته) فيتم تجريد الزوجة أو الابنة أو الأخت من حقوقهم الإنسانية بحكم الاستخدام الجائر للقوامة أو لأمراض نفسية أو للوقوع في براثن المخدرات أو لظروف اقتصادية أو لرفاق السوء الخ وكلها مسببات للإيذاء الذي يصبح حقاً طبيعياً يمارسه بعض الذكور لارتباطه العميق بمفاهيم ثقافية واجتماعية تحدد علاقة الرجل بالمرأة سواء كزوجة أو أخت وعلاقته بالأبناء وكلهم من (ممتلكاته).
لن ينقذ الواتس أب أو السناب كل طفل وكل امرأة، فهناك موانع اجتماعية وقبلية وعائلية تمنع من الوصول إلى الضحايا أو مرتكبي الجرائم لكننا نستطيع أن نحد منها بالعمل مع الرجال وتوعيتهم ذهنياً وثقافياً بالأضرار الخطرة للإيذاء والبدائل الممكنة للعلاقات الإنسانية والاستمتاع بها خارج إطار الأمر والنهي أو الإيذاء.
بعض الرجال كما ألاحظ وخاصة في بعض البيئات المتوسطة أو الفقيرة أو المناطق البعيدة قد يكونون بحاجة إلى التوعية والإرشاد ليتوقفوا عن ممارسة الإيذاء الذي (لا يعتبرونه) إيذاء أصلاً، بل هو حقهم الشرعي في تأديب وتربية الزوجات والأبناء.. كيف نقلب هذا الموقف الثقافي ليتفهموا أنه فعلاً إيذاء بمعاييرنا الحاضرة؟.