رمضان جريدي العنزي
لم يعد الجار كما كان جاراً ولم يعد الجار قبل الدار، ولم تعد القصص والأمثلة والحكم التي تتحدث عن حق الجار معمول بها إلا ماندر، جاء في الحديث الشريف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما حق الجار؟ قال: إذا استعان بك أعنته، وإذا استنصرك نصرته، وإن مرض عدته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن مات شيعته»، وقال عليه الصلاة والسلام: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام عن الجار أيضا: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه»، إن للجار على الجار حقوق عظيمة أقرها الإسلام، شرعها وحث عليها، حذر من يخالفها، وبشر من يعمل بها، لقد كان الجار في الماضي يعرف جاره، يقدره يحنو عليه يتفقده ويحسن إليه، ويحفظه حاضراً وغائباً، الآن سكان في عمارة واحدة لا يدخل بعضهم دار جاره ولو لبضع دقائق معدودة، وكم من واحد يصلي الليل، ويصوم النهار، ومن ثم يضيع ذلك كله بأذية جاره، والتنكيد عليه، قال لقمان لابنه: «يا بني قد حملت الحجارة والحديد والحمل الثقيل، فلم أجد شيئاً قط أثقل من جار السوء»، إن جار السوء يشمل: الجار في العمارة، والجار في الحي، والجار في التجارة، وأسوأ الجيران هو من يلازمك في الشر، وأذاه دائم، يتتبع العثرات، ويتطلع إلى العورات، وليس بمأمون، لقد كان العرب في الجاهلية والإسلام يتفاخرون بحسن الجوار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار، إن الإسلام يلزمنا بحسن الجوار، ويحذرنا من إيذاء الجار، بأي صفة كانت أو سلوك أو أخلاق أو عمل، إن من الحماقة، وضعف العقل، وغياب الحكمة، وقصر النظر، ترافع الجيران إلى المحاكم فيما يقع بينهم، من خصومات ومشاجرات ضعيفة واهنة قد تقع من النساء ومن الأطفال، إن الجار الطيب الشهم، تجده أسرع الناس لنجدة جاره، وأسرعهم إجابة لندائه، وأكثرهم تفقداً لجاره والسؤال عنه، لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم، يقومون بحق الجار حتى مع الكفار، فكانوا من أحرص الناس على إكرام الجار، وإن كان غير مسلم، فقد أخرج الترمذي وأبو داود - بسند صحيح - عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما، «أنه ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟، كناية عن الحرص على الجار وإن كان مختلفاً دينياً ومذهبياً، إن على الرجل المسلم العاقل الحصيف أن يحترم جاره يقدره ويحرص عليه، لقد كان العرب في جاهليتهم يحمون الذمار ويتفاخرونحسن الجوار، يقول شاعرهم:
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها: إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
هكذا يتفاخرون بحماية الجار، وحسن الجوار، وعنترة بن شداد يفتخر بغض بصره عن جارته وهو الفارس الشجاع المهاب وبهذا يقول:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
إن المحبة والاحترام والألفة واللطف والابتسامة والبشاشة وحسن المعشر والتغاضي عن سفاسف الأمور، والترفع عن صغائر الأشياء، والتفقد والسؤال والتزاور، روابط قيمة ومتينة يجب أن يعمل بها الجيران كلهم حتى ينعمون بالهدوء والطمأنينة والمحبة والسلام والعيش الدائم المشترك والفوز برضى الرحمن في الدنيا وفي الآخرة.