علي الخزيم
الانغلاق على النفس والارتهان إلى قناعات تُكَبِّل العقل والأعصاب بدعاوى غير منطقية تكرس مفهوم إماتة القلب والمشاعر وإضاعة الوقت الثمين بالسعادة والمرح واقتناص أسباب السرور البريء؛ يُعَدُّ عند علماء النفس والطب الحديث من الأمور الخاطئة؛ بل يرونه بَخْسٌ لحقوق النفس البشرية ومصادرة لعنصر من مقوماتها لتكون طبيعية مستقيمة كما خلقها الله (روحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة)! أو ما أخرجه مسلم عمَّا رواه حنظلة بن الربيع الأسيدي بتحاوره وأبي بكر - رضي الله عنهما - حول الانس مع الزوجة والأولاد والتمتع بنعم الله فقال الرسول المصطفى: (يا حنظلة، ساعة وساعة، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطريق).
الإنسان مجبول على حب المرح والدعابة والانس بالأهل والأصحاب، ونكون متناقضين حينما نروي لبعضنا من قصص الأوائل ونوادرهم وفكاهاتهم ونُدوِّنها بكتبنا، ثم إذا شاهدنا أو سمعنا من تَمَلَّكه الفرح وانشراح النفس لموقف جميل وحالة ماتعة؛ نهرناه بدعوى أن هذا مما يلهي ويميت القلب، وربما أن صاحب القلب السعيد هذا كان للتو قد فعل ما لم نفعله من الخيرات وإسعاد الآخرين، وأن ما يمر به من جَذَل وسعادة إنما هي: (ساعة وساعة)، لكننا نريدها ساعة على وتيرة واحدة يكل معها القلب وتتبلد الجوارح وتصدأ العواطف وتجف خلالها ينابيع الحب وجداول العطاء الإنساني بكل صوره وألوانه.
برامج الترفيه التي باشرتها الأجهزة المعنية بالمملكة فيها المتعة والتنوع والبراءة، وبحسب القوائم المعلنة فليس فيها ما يريب، أو يدعو للإخلال بالعقيدة والأخلاق وتماسك المجتمع، ولا يمكن أن يرضى ولاة الأمر - حفظهم الله - بشيء كذلك، ألم تسمع بقصة الشابين العربيين اللذين أخلّا بمفهوم قواعد الاستمتاع بالوقت بالأماكن العامة منذ أيام مضت فكان مصيرهما الإحالة لجهات الاختصاص لتطبيق النظام بحقهما، وهذا يبرهن أنه لا يمكن منع حق مشاع لكل مواطن بسبب قلة لا تتفهم معنى التحضر وهوامش الحرية المقيدة بالشرع والنظام والعرف الاجتماعي؛ لتمارس فوضويتها خارج الإطار الأخلاقي العام، البرامج الترفيهية متنوعة وكل يختار ما يناسبه، ولا يجبر أحد على ذلك، والأمر لا يستدعي التشنج وردود الفعل الحادة، ومن يجد ما يعكر صفو المجتمع أو السائح أو يخل بالأنظمة فأبواب المسئولين وبريدهم وقنواتهم مفتوحة للتخاطب معهم بهدوء لتبيان ما يراه من مواطن الخلل، وسيجدهم أكثر غيرة بعون الله وحرصاً.
لو تأملنا بعض صفحات التاريخ المُدوَّن فسنجد ما يدل على أن طبيعة الناس بطبقاتهم يميلون لما يباح من أسباب السعادة، فهذه الشاعرة الخنساء السُّلَمِية قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يستنشدها وهي بمجلسه فيعجبه شعرها، ويردد معجبا: (هيه يا خناس، هيه يا خناس)، وقصة الجاريتين المنشدتين عند عائشة رضي الله عنها يوم العيد، فأقرها الرسول المصطفى، ولم ينكر أو يغير الرسول الأعظم ولا صحابته ما كان عليه العرب من حب الفروسية وسباقات الخيل والإبل والمصارعة والمبارزة والرماية، ففي هذا المجال وبهذه المرحلة لا يليق أن نبخس المملكة دورها الريادي.