د. حسن بن فهد الهويمل
حفظت في الصغر, وحِفْظه كالنقش على الحجر:-
(لا تَقْطَعَنْ ذَنَبَ الأَفْعَى وتُرْسِلَها
إِنْ كُنْتَ شَهْماً فأَتْبِعْ رَأْسَها الذَّنَبَا)
نحفظ، وننشد, ولا ندري بالمراد, كل الذي يهمنا الإنشاد. وما أكثر المقطعات الشعرية المحكمة, التي نحفظها, وننشدها, أو نجدها مكتوبة على جُدر المجالس في بيوت الكبراء. ثم لا نفهم، ولا نجرؤ على السؤال.
تلك عاداتنا مع المعلمين الذين يُلقِّنون, ولا يُفهِّمون, وقد يكون البعض منهم يحفظ مثلنا, ولا يفهم.
وكم هو الفرق بين التعليم, والتفهيم. وتربية المهارات, وتلقين المعلومات.
تذكرت هذا البيت, وأنا أتابع أوضاع (أمتي) الموجعة.
(ملتقى) أساتذة قسم اللغة العربية بـ(جامعة القصيم) تجتمع فيه صفوة الصفوة, ونخبة النخب من مختلف الأقطار العربية, وكل أستاذ ينطوي على جراح وطنة, وعند حضوره منهكاً، تواجهه التساؤلات الشاردة:-
- كيف الأحوال في وطنكم؟
- ما آخر الأخبار؟
ولقد يمل البعض من السؤال, كما يمل المنكَّس في الخلق:- (وسؤال هذا الناس: كيف لبيد؟), ولا سيما إذا كانت الأحوال في تدهور: أمني، واقتصادي متسارع, ولا من بوادر أمل.
لم يعد (المُلْتقى) مريحاً، ومن ثم يهرب البعض من النخب إلى «منتدى القراءة» ليغمس همومه بين صفحات الكتب, ويَنْسى الهموم المُمِضَّة.
في تلك اللحظات المترعة بكل مخيف, يزحف (بيت الرأس, والذنب), كما تزحف الأفعى, تُخيفك كما يُخيفك الفحيح, وتَلَوِّي ما بين الرأس, والذنب.
في الأزمات السياسية المتراكمة, تتداعى الأبيات المحكمة, لتقدم خلاصة التجارب, ويكون حضور الشعراء, العقلاء, المجربين, العالمين أكثر من حضور الحالمين, الرومانسيين, العابثين, اللاهين.
(زهير) و(أبو أذينة) - صاحب الأفعى - و(المتنبي) و(المعري) يقدمون لك خلاصة تجاربهم في الحياة, وخلاصة فهمهم القرائي.
وقصيدة (أبي أذينة) الجاهلي كل أبياتها صالحة, لأنها قيلت في أتون الحرب. و(بيت القصيد) فيها بيت الأفعى بين الرأس, والذنب.
فمن حِكَم القصيد:-
وأنْصفُ الناسِ في كلِّ المواطِنِ مَنْ
سَقَى الأعَادِيَ بالكأسِ الذي شَرِبا
هُمْ جَرَّدُوا السَّيِفَ, فَاجْعَلهُم له جَزَرا
وأوقدوا النارَ, فاجعلهم لها حَطَبا
...لا تقطعن ذنب الأفعى وتُرْسِلها
إِنْ كُنَتَ شَهْماً فَأَتْبعَ رَأسَها الذَّنَبا
- فما الأفعى؟
- وما الرأس ؟
لا أحد يشك أنها الدولة المارقة, دولة الآيات, والملالي, التي تعهدت بتنفيذ اللعب القذرة, لتُشْبع حقدها الدفين ضد (العنصر العربي) الذي أسقط عرش كسرى, وغنم أمواله, وسبى نساءه، وأقام دولة الحق على نار المجوس.
لقد مارسوا الحقد, والتآمر عبر التاريخ منذ (أبي مسلم الخرساني), مروراً بـ(البرامكة), و(ابن العلقمي) إلى شرطي المنطقة المتغطرس (الشاهن شاه آريامهر), ووقوفاً عند الصنيعة الغربية (آية الله الخميني) الذي نُقِلَ من ملجئه (الفرنسي) على متن طائرة فرنسية, وبرعاية, وتهويلٍ غربيين.
لقد صنعوه على أعينهم, واتفقت مؤامراتهم مع ما يحمله المجوس من حقد دفين.
ولكي يمرر مِخْلبُ لعبة الغرب, تقنع بالدفاع عن المُسْتَضْعفين, وتحرير الأقليات الشيعية من حكم (أهل السنة والجماعة).
لقد انخدع بهذا القناع الجهلة, والمغفلون, والطامعون بحكم الأقليات, فسالت الدماء, ودمرت البُنى, وساءت العلاقات, ثم لم يعد هناك إمكان للتعايش, والتسامح.
من خلال الخيانة حقق المغفلون من شيعة العرب, ومرتزقتهم, وخونتهم لقوميتهم, وتشيعهم العربي مكاسب سرابية, وقتية.
نجاحات (إيران) في غزو أربع دول عربية تمت بخيانات طائفية, ومساندة غربية, ضخمت دولة الملالي, وأغرتها بمزيد من الإفساد, ولم يحطم كبرياءها إلا (المملكة العربية السعودية), حين دعمت العراق, فجرعتهم السُّمَّ, وحين صمدت وحدها بعد احتلال العراق.
(الحوثيون) و(الحشد) و(حزب اللات) و(تركيا) و(قطر) و(الإخوان) ضخموا النمر الورقي, وتذيلوا له. باعوا دينهم, وتشيعهم, وقوميتهم. وهزيمة أولئك لا تحسم الموقف, ولا تحل الإشكال, لأنهم يمثلون الذنب.
رأس الأفعى (إيران), ومن مصلحة الخليجيين, ومن يساندهم من: إسلاميين, وقوميين استدراجها, لأنها من الجبن لا تقاتل إلا في قرى محصنة, أو من وراء جدر, أو من خلال عملاء باعوا: دينهم, وقوميتهم, وكرامتهم, وحريتهم. وظنوا أن وعود (إيران) بمعسول الكلام سيحقق لهم حكم العالم العربي, وزعامة العالم الإسلامي.
- فهل يستغل العربُ هذه الظروف, ويدعمون الانتفاضة, أم يترددون, ويفوتون الفرصة السانحة؟
فرصٌ كثيرة، طرقت أبواب أمتنا, حتى كلت مُتُونها, ولم ينتهزوها, ولما فرت من بين أيديهم, أقبل بعضهم على بعض يتلاومون.
أقليات عرقية, ودينية قابلة للانفجار داخل (إيران) لم يستطع (العرب) الوصول إليها, وتحريكها, ودعمها. إنها مكونات سكانية تشكل عبوات ناسفة, تبحث عن مُشْعل.
دعونا نبادلها بالمثل, لنضعها في أتون الفتن, كما وضعت دولاً عربية عملاقة (سوريا, والعراق). ساعتها نُتبِع رأسها الذنبا.