م. بدر بن ناصر الحمدان
أغمض عينيك قبل أن تقرأ هذا المقال، تنفس بعمق، وتخيّل أنك وحيد، في قلب الطبيعة، خارج ضواحي المدينة، منفرداً بذاتك، عش لبرهة بمعزل عمَّا يحيط بك من بشر، استشعر ما بداخلك من قوة كامنة، حاول أن تتعرَّف على قدراتك الخارقة، تجرّد من كل أوهامك وقيودك، فكّر أن تكون مختلفاً، وجريئاً، وغير عادي، غادر كوخك الخشبي الذي تعيش فيه، وحطّم كل ما يعترض طريقك نحو الأمام، لا تنس أن تحرق كل مراكب العودة، قف على أعلى قمة جبل، وانظر إلى الجانب الآخر من النهر، تحدث إلى نفسك بصمت، وقرِّر أن «تتمرّد».
لطالما راودتني فكرة التمرُّد، في صورته «الإيجابية»، لم أكن لأسير في طريق يعرف الناس نهايته، كان ذلك الهاجس يغرس بداخلي حالة من الصراع المستمر طوال فترة مضت، عادة ما كانت تظهر على هيئة «عدم رضا» بما هو قائم، وجنوح دائم نحو البحث عن شيء آخر، أكثر اختلافاً، لم يحدث من قبل، ولم يفكر به أحد، كان ذلك التمرّد يضعني أمام مفترق طرق، إما أن أكون مثالياً - في نظر الآخرين -وملتزماً بمنظومة ما يحدث من حولي، أو أن أحمل على عاتقي مسؤولية البحث عن ذاتي وسط هذا العالم الغارق بالنمطية.
كان ثمة شيء بداخلي يدفعني إلى ذلك التمرّد، ربما استطعت في مرة أن أكون متمرِّداً ومضيت قدماً، وفي مرات كثيرة لم يحالفني الحظ، وبقيت كما أنا، في حالة من التوجّس، «ولا أخاف سوى أن ألتفت وأجدُني في نفس المكان بعد كُل هذا الركض».
العيش برتابة مفرطة، والسكون إلى ما يحدث في محيط الإنسان، والتعايش معه، والاستسلام لوتيرته، والتعامل معه على أنه أمر واقع، ليس من سمات أولئك الأحياء المتمرِّدين على ذاتهم، السالكين لدروب لم يطرقها أحد من قبل، من أجل إطلاق ما بداخلهم من إبداع، وابتكار، هؤلاء فئة - غير تقليدية - لا تقبل أن تحيا على ثقافة القطيع، فتسايره، أو تسلك مسلكه، أو أن تركن في ردهة مكان بلا زمن.
كُن متمرداً، وثق أنك لست مجبراً على إكمال طريق لا يليق بتقاليدك المتمرِّدة، لا شيء على هذه الأرض يدفع بك إلى مجاراة واقع لا يواءم ذاتك، ولا يرغمك على اقتسام حياة مع أشخاص لا يعتنون بك، ويختزلون معك مساحات الود والاهتمام، لا تبرر أفعالك لهم، ولا تجامل أحداً على حساب راحتك المعنوية، وصفاء ذهنك، أغلق كل مصادر القلق في حياتك، ولا ترض أبداً أن تكون في كنف أحد، كوّن رأيك الخاص، وقرارك المستقل، لا تسمح بوصاية الآخرين عليك، عش الحياة كما تُريد أنت لا كما يريدون هم، لا تكن نسخة منهم، تمسّك بقناعاتك وأفكارك، تحكّم بذاتك، ولا تستسلم لثقافتهم أبداً.
ثق بنفسك وتمرَّد.