منصور بن شليويح العنزي
إن النفس البشرية سِرٌّ من أسرار الخالق -سبحانه وتعالى- ولقد حاول كثير من الخبراء والمتخصصين سبر أغوارها، وفقًا لتوجُّهات وجوانب مختلفة، وسأُحاول جاهدًا أن أتحدث في مقالي عن قضية تشغل بال الجميع، وهو ما أطلقت عليه مُصطلح «أقنعة المتضادات»، وهي عبارة عن وجوه مُختلفة يرتديها بنو البشر، وتتبدل وفقًا للمكان والزمان والشخصيات التي يتم التعامل معها، وفي ذلك نجد أساليب مختلفة ومتناقضة في طريقة الحديث والتعبير، وبمجرد ارتداء الفرد للقناع تلو القناع نجد في كل مرة شخصًا آخرَ مُغايرًا لسابقه. وقد ابتلينا في الأونة الأخيرة بهذا الداء حيث انتشر انتشاراً واسعاً للأسف.
الأقنعة التي سأبدأ بها وأراها واضحة، وتسوم كثيرًا من أرباب الأسر «قناع الاستبداد الأسري»، ويظهر ذلك القناع داخل المنزل، وفيه نجد شخصًا يتعامل بغلظة شديدة مع أبنائه وبناته وزوجته، وقد يصل الأمر إلى استخدام العنف، والديكتاتورية في أشد صورها، ولسان الحال (لا ترون إلا ما أرى، ولا تسمعون إلا ما أسمع، ولا تشاهدون إلا ما أُشاهد...)، وفي مخيلة مُرتدي هذا القناع أن ذلك هو الأصلح؛ كي يحدث الانضباط المطلوب داخل نطاق الأسرة، وهناك من يربط ذلك بالرجولة.
وعند التعامل مع المحيط العائلي؛ بمعنى الأقرباء من الدرجة الثانية والثالثة.. إلخ؛ نجد نفس الشخص يرتدي «قناع الطيبة والتواصل الاجتماعي»، وفي ذلك نجد شخصًا عذب اللسان، ويجود بسخاء، ويصفون كرمه بالحاتمي، ولديه المبادرة للتعاون، ولا يختلف عليه اثنان من أفراد العائلة.
وفي الصباح الباكر نجد ذات الشخص يرتدي أقنعة متعددة في العمل؛ فتارة يرتدي «قناع الديمقراطية»، ويرفع شعار العدل بين الجميع، وأهمية أن يحدث تعاون وتآخٍ وحب وإيثار، إلى ما غير ذلك من الكلمات الناعمة البراقة، وتارة أُخرى نجد نفس الشخص يرتدي «قناع الفتنة»، ويُثير زملاء العمل على بعضهم البعض، ويُحرض ذلك على ذاك، وذاك على ذلك، ويُوقع بين الجميع، وهو متلذذٌ ومستمتع، وكأنه تجرَّد من إنسانيته، وتحول إلى شيطان رجيم، والعياذ بالله، ومرة واحدة يتبدل الحال من النقيض للنقيض، ونجده يرتدي «قناع الصلاح والتقوى»، وكأنه لم يقم بأي شيء، بل على العكس يصبح هو راعي الحق والسلام، ويرغب أن يرى الجميع في وئام.
وفي المساء، وبعد انتهاء العمل فإن الأمر لا ينتهي عند ذلك، وبمجرد أن يتقابل ذات الشخص مع أصدقائه نجده ارتدى «قناع التذمر» من كل شيء، ويُشعرك بأننا نعيش في ظل ظلام دامس، ولا منجى منه؛ فهو لا يرى إلا بعين واحدة، أو لا يرى من الأساس؛ ناشرٌ للإحباط والسوداوية عدو للفرح والبهجة فالخدمات في مختلف مفاصل القطاعات فاشلة؛ سواء ما يخص الخدمات الصحية بالمراكز العلاجية والمستشفيات، أو الخدمات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات، وكذلك الخدمات المرورية، والطرق, بالإضافة إلى الأسعار التي لا تتوقف عن الارتفاع سواء ما يتعلق بالسلع الاستهلاكية أو الكمالية، ويُحدثك كذلك عن أسعار ما لا يحتاج إليه من سلع وخدمات.
وبعد فترة نجد نفس الشخص، وفي خلوته الخاصة مُمسكًا بهاتفه الجوَّال، ويرتدي أقنعة أخرى، وهو يتحدث مع الواقع الافتراضي ومن خلال شخصية هلامية وهمية، ومن خلال برامج التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل: تويتر، وإنستغرام، وواتس آب... وغيرها؛ فنجد «قناع المجادلة» مرة، و «قناع الغضب» مرة، و«قناع المحلل السياسي» مرة، و «قناع المحلل الاجتماعي» مرة، و«قناع المحلل الاقتصادي» مرة، و«قناع المحلل الرياضي» مرة، وما خفي كان أعظم.