د.سالم الكتبي
تحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني من على منبر الأمم المتحدة أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مؤخراً، عما وصفه بمبادرة للأمن والاستقرار الإقليمي سيتم إعلانها قريباً، ومؤخراً قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إن تفاصيل «مبادرة هرمز للسلام» ستقدم قريباً بصورة خطية، خاصة إلى الدول الثماني التي دعيت للانضمام إلى هذه المبادرة أو «تحالف الأمل».
وقال المتحدث باسم الخارجية عباس موسوي، إن روحاني اجتمع في نيويورك مع 15 من رؤساء الدول على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشرح لهم المبادرة، كما التقى المثقفين ومندوبي وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، موضحاً أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف التقى أيضاً في نيويورك 22 وزيراً للخارجية ومسؤولين من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وعقد محادثات معهم.
لا بأس بطبيعة الحال في أي مسعى يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في منطقتنا، ولكن المهم أن تصفو النوايا الإيرانية وأن يكون المسعى جاداً وليس مجرد استعراض إعلامي يستهدف كسب الوقت وإظهار عكس ما يبطن صاحبه، لاسيما أننا في دول مجلس التعاون قد عانينا كثيراً، ولا نزال، من هذه «البروباجندا» الإيرانية التي تتحدث عن سياسات حسن الجوار والأخوة الإسلامية وغير ذلك من شعارات شهدت ذروتها إبان حقبة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ولا تزال ترفع حتى الآن في إطار لعبة توزيع الأدوار بين السياسيين والعسكريين في المشهد الإيراني.
من البديهي أن يتجه من يعتزم إعلان مبادرة للسلام والاستقرار إلى تبني إجراءات تهدئة تحفز الجميع على خفض التوترات وتهيئة البيئة لإنجاح مساعيه في هذا الشأن، ولكن ما يصدر عن نظام الملالي لا ينبئ بأي مظهر من مظاهر الرغبة في السلام والاستقرار، فلا تزال لغة التعالي والعنجهية والغطرسة الطائفية القبيحة تسيطر على الخطاب الإيراني، ولا تزال التهديدات تلازم الحديث عن خفض مستوى التوتر الإقليمي!
يقول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف موجهاً حديثه للمملكة العربية السعودية الشقيقة إن «الأمن لا يشترى» ويضيف «يتصورون أنه مثلما اشتروا كل شيء حتى الآن بالمال، كالسلاح والصداقة والدعم، بإمكانهم كذلك شراء الأمن بالمال»، ودعا الوزير الإيراني المملكة الشقيقة للتخلي عن هذا «الوهم وتركه جانباً»، حسناً وقد نقلت حديثه الذي نشرته وكالة الأنباء الإيرانية نصاً كي نغوص في فهم هذه العقلية التي تضع العربة قبل الحصان، وتنظر للنتائج مع استبعاد الأسباب وتجاهلها!
هي إذن عقلية تآمرية تسلطية لا تريد فهم الأمور في ضوء الواقع الحقيقي لأنها ببساطة لا تريد لشيء في منطقتنا أن يستقيم، فالسيد ظريف الذي يقصد التعاون السعودي الأمريكي في شراء الأسلحة يتجاهل تماماً أنه لا يمكن لأي دولة أن تخصص مليارات الدولارات لشراء الأسلحة وهي تعيش في أجواء من الأمن والأمان ولا تحيط بها تحديات وتهديدات مصيرية في بيئة استراتيجية بالغة الخطوة كتلك التي يحاصر بها نظام الملالي دول مجلس التعاون.
ظريف يقفز عمداً على الأسباب ويتعامل مباشرة مع النتائج ويحاول بناء دعايته السياسية على فكرة واهية، والأغرب أنه يقول إن «السعودية تثير التوتر لتمهيد الطريق أمام الأجانب للقدوم إلى المنطقة» في إشارة إلى التعزيزات العسكرية الأمريكية الأخيرة، مشدداً على أن الحل «واضح جداً وهو إنهاء حرب اليمن»! هل رأيتم ليًّا للحقائق كهذا من قبل؟ لا أعتقد طبعاً أن هناك من يحاول افتراض السذاجة لدرجة تجاهل الأسباب الحقيقية للتوتر في منطقتنا.
يمكن لطفل صغير إحراج السيد ظريف الذي يفترض السذاجة في الجمهور ويسأله: هل السعودية هي من قامت بضرب المنشآت النفطية؟ وهل السعودية هي من تهدد ليل نهار باستهداف المصالح الاستراتيجية في دول مجلس التعاون؟ وهل السعودية هي من يمول الحوثيين والميلشيات الطائفية كافة في دول الشرق الأوسط؟ وهل السعودية هي من تباهي مسؤوليها علناً باحتلال عواصم أربع دول أعضاء في الأمم المتحدة؟ وهل السعودية هي من يرتهن أمن منطقة بأكملها لأغراض وهوى الملالي وأحلامهم التوسعية؟!
علينا أن نلاحظ أن نظام الملالي الذي لا يكف عن ترديد الدعاوى المزعومة حول تحمل مسؤولية دول المنطقة لأمنها واستقرارها، يفضل مناقشة مبادرته المزعومة مع الدول الكبرى أولاً وقبل أن يعرضها على دول المنطقة؟! أليس في ذلك نوع من ازدواجية مذمومة وإثبات على ادعاءاته الفارغة؟ عموماً لن تفلح مبادرة هرمز ولا غيرها في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي ما لم يتخل الملالي عن أحلامهم وطموحاتهم ودعمهم للإرهاب، وما لم يؤمنوا بضرورة الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي، ويكفي أن يلتزم هذا النظام المتهور بالقانون الدولي بكل ما ينص عليه من قواعد حسن الجوار واحترام سيادة الدول، كي نضمن الأمن والاستقرار في منطقتنا والعالم أجمع.