حمّاد السالمي
* أحمد الله مرتين. مرة: لأني كنت من أوائل من كتب وطالب ونادى بوضع الآثار العمرانية، والمعالم التاريخية، والموروثات الوطنية؛ على خط الاستثمار السياحي، وكذلك فتح المجال أمام المعتمرين والحجاج؛ للتنقل خارج المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، لزيارة الآثار الإسلامية، ومعالم السيرة النبوية في مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف، ومن ثم تحقيق مقاربة إنسانية مع تاريخ المملكة وجمالياتها في كل المدن. كان ذلك منذ أعوام عديدة فارطة. ومرة ثانية: لأني عشت حتى رأيت هذا الحلم الذي كان يراودني ويخالج الكثيرين من أبناء وبنات هذا البلد الحبيب.. رأيته يتحقق في هذا العهد الزاهر الزاخر بكل جديد مفيد. عهد الدخول في المستقبل بكل قوة وهمة. عهد (الملك سلمان بن عبد العزيز) رعاه الله، وعهد قائد التجديد ورائد (رؤية السعودية 2030)؛ الأمير محمد بن سلمان حفظه الله.
* بدأ تحقيق الحلم الجميل؛ بمنح المعتمرين حق التجول في كل أنحاء المملكة خارج مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم اكتمل بدره بنظام التأشيرة السياحية لمواطني 49 دولة في هذا العالم الفسيح. المملكة العربية السعودية من اليوم وصاعدًا؛ دولة سياحية، لأنها تملك مقومات هذا الرافد الاقتصادي العظيم، الذي هو شريان الحياة في عديد الدول، في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأميركا وغيرها. لنتذكر أن عدد سياح فرنسا في العام الفارط بلغ 81 مليون سائح، وعددهم في الولايات المتحدة الأميركية 62 مليون سائح، وفي الصين 57 مليون سائح، وفي إسبانيا 56 مليون سائح. سياحة هذه الدول تدر عليها مئات المليارات من الدولارات، وكثير من هذه الدول التي تتصدر قائمة الدول السياحية في العالم، لا تتوفر على عُشر ما تتوفر عليه المملكة من مقومات سياحية. تتوفر المملكة أولًا؛ على خبرة ناجحة في إدارة الحشود، فهي من بين أكثر الدول زيارةً في العالم، حيث تستقبل من الحجاج والمعتمرين قرابة 17 مليون زائر سنويًا. ولديها مقومات جذب سياحي على نطاق واسع، فلديها العديد من المتاحف التاريخية والثقافية والعسكرية، بالإضافة إلى المواقع الآثارية والتراثية، مثل مدائن صالح، والدرعية، ولها من الشواطئ والصحارى ما ليس لغيرها، كما أنها تتوفر على بنية تحتية جيدة من مرافق الإيواء والغذاء والنقل وخلافه، إضافة إلى أنها تدير على مدار العام؛ فعاليات (مواسم السعودية). أنشطة رياضية وفنية وثقافية وتسويقية جاذبة. من هنا تأتي أهمية استثمار هذا كله سياحيًا، لتوفير فرص وظيفية أكبر، ومصادر دخل جديدة وبديلة في حال تقلصت مصادر الطاقة النفطية. المملكة كما أعلنت في هذا الاتجاه؛ تسعى لاستضافة مئة مليون سائح سنويًا، وتطمح لتوفير دخل إضافي لا يقل عن مئة مليار دولار في العام الواحد مع آخر عام للرؤية. هذه الأرقام ليست خيالية ولا مستحيلة، وهي تليق ببلد كبير مثل المملكة، يملك العزم والقوة على بلوغ القمة التي يريد.
* ليس المال وحده ما يهمنا في هذا التوجه الجديد الذي أدخل المملكة لأول مرة في نادي البلدان السياحية. نحن الذين كتبنا وطالبنا منذ سنوات؛ نثمن هذه الخطوة الرائعة، لأنها تدل على أن بلادنا أصبحت منفتحة على كل العالم. منفتحة اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا. تسهم مع كل دول العالم في صناعة التاريخ المعاصر لإنسان معاصر؛ ينبذ الكراهية التي ظل الفكر المتطرف يغذيها ضد الآخر من أصحاب الأديان والمذاهب والشعوب. قال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أحمد الخطيب في هذا الخصوص: (إن السياحة سوف تغير النظرة تجاهنا، يجب عليهم أن يأتوا ويرونا، وأن يعيشوا في السعودية وتجربة ذلك. السعودية بلد كبير، ويوجد بها شعب عظيم). ثم ما أجمل وأحكم هذا القول للشيخ العالم (صالح المغامسي) حين قال: (دعم المملكة لقطاع السياحة؛ سيعود على البلاد بمنافع اقتصادية، ويرفع من قيمة الصندوق السيادي للدولة، وكذلك قدوم السياح للمملكة؛ سيساهم في توضيح الصورة الحقيقية عن الشعب السعودي، ليعرف الجميع عن قرب وعن كثب؛ قيم وأخلاق الشعب السعودي، وعمقه الثقافي والإسلامي).
* الحقيقة الجميلة التي نعيشها اليوم؛ أن تحول المملكة من بلد يكاد يكون أحادي الثروة المتمثلة في النفط؛ إلى بلد ثنائي الثروة برافد جديد هو السياحة؛ هذا التحول الكبير؛ يجعلنا نغبط أنفسنا، لأننا أصبحنا ندرك بكل وعي وهمة؛ أن ثروتنا ليست هي فقط ما تحت الأرض من نفط وغاز وذهب ونحوه، ولكنا نملك فوق الأرض؛ ثروة أكبر وأعظم، هي مقومات طبيعية وتاريخية واجتماعية وثقافية لسياحة عالمية ناجحة. إذا كانت ثروتنا النفطية (ناضبة) في يوم ما طال أو قصر؛ فإن ثروتنا السياحية (نابضة) إلى الأبد. ثروتنا (النابضة)؛ ها هي اليوم تتحرك إلى الأمام مع قدوم السياح إلى بلادنا. ثروتنا جمال فريد، لأنها مزيج من تاريخ عريق، وشواهد أثرية، وفنون متنوعة، وموروثات شعبية لا تعد ولا تحصى. نحن صحراء ومطر. نحن شمس وقمر. نحن بر وبحر. نحن بشر وشجر. نحن أرض وسماء. نحن كل الجماليات المبهرة في هذا الكون.