خالد بن حمد المالك
لا يضيف الغزو التركي لسوريا جديدًا؛ إذ لم يبقَ من الأرض السورية قبل هذا الاجتياح الجديد ما هو محرَّم على الأعداء غزوها، أو أنه لا يجوز للأجنبي استباحتها واحتلالها، طالما أنه ليس لدى بشار الأسد من سلطة أو قدرة تعطيه الحق ولو بالظهور شخصيًّا لإدانة الغزو التركي؛ لأن من يحكم سوريا هم الغزاة لا نظام بشار الأسد (الصوري) الذي فرّط بكل سوريا بعد أن سبقه والده حافظ الأسد بإهداء إسرائيل جزءًا من الأراضي السورية على الحدود معها.
* *
لم يبقَ في سوريا أرضًا محررة، أو أرضًا لم تدنسها أقدام المحتلين، ولا يظهر في الأفق ما يمكن اعتباره احتلالاً مؤقتًا؛ فمصلحة المستعمرين في إبقاء بشار على سدة الحكم لينفذ مطالبهم، حيث أصبح واضحًا أنه يؤمَر فينفِّذ ما يحقق مصالحهم.. والهدف الروسي - الإيراني - التركي من عدوانهم مرشح لما هو أنكى وأشد.
* *
سوريا أمام مؤامرة كبرى؛ فالقوى الاستعمارية تريد أن تمزقها إلى دويلات صغيرة، باتجاه خلق واقع جديد، يقضي على وحدة الأراضي السورية، ويقيد مستقبلها وسياساتها بحسب نفوذ الغزاة. وما من أحد إذا ما اكتمل مخطط المؤامرة سيكون قادرًا على إعادة الوضع إلى ما كان عليه إلا الشعب السوري الصامد، حتى ولو استمر تعاون نظام بشار ودعمه للدول الثلاث في تآمرها على وحدة سوريا واستقلالها؛ للحيلولة دون تمكين الشعب السوري من إدارة شؤون بلادهم.
* *
وهذه المؤامرة الكبرى التي تقودها روسيا وإيران وتركيا وحزب الله اللبناني وميليشيات من العراق ومرتزقة من مختلف دول العالم، دون أن أستثني تنظيمات داعش والنصرة، أو أتجاهل الدور الأمريكي المشبوه، وكذلك إسرائيل، ليس لها من هدف - كما هو واضح - سوى وضع سوريا في قبضتها بعد أن تقاسم المحتلون الغنائم فيها، وأحلّوا لأنفسهم الحق في جعلها ساحة للقتال.
* *
السؤال: هل كان هذا سيحدث لو أن بشار الأسد استجاب مبكرًا لرغبة الشعب، وتنازل عن الحكم، وسهّل الطريق نحو اختيار نظام كفء يدير شؤون البلاد، بدلاً من استدعاء الأعداء ليحكم كل منهم قبضته على جزء من الأرض السورية في مواجهة هدير الشارع السوري وخروج المواطنين المحتجين لإسقاط نظام بشار الأسد؟
وهل كنا سنرى هذا التهجير والقتل للمواطنين، والهدم لكل ما بُني على مدى عقود من الزمن، وتحويل البلاد إلى أنقاض وأرض محروقة، لو كان نظام بشار عاقلاً وحكيمًا، وتصرَّف بما تمليه عليه مصلحة بلاده لا مصلحة الأجانب الذين عاثوا بالبلاد فسادًا وقتلاً وتخريبًا؟ الأكيد أننا لن نرى هذه المشاهد الدامية، ولن نكون أمام مآسٍ كهذه التي تمرُّ بها سوريا ونشاهدها.
* *
سؤال آخر: هل فقدنا الأمل بسوريا المحررة؟ هل استسلم السوريون لهذه المؤامرة الكبرى، ولم يعد لديهم ما يفعلونه أمام هذه الجرائم اليومية؟ الأكيد أيضًا أن المسألة مسألة وقت، ومسألة ظروف؛ فمتى ما جاء الوقت المناسب، وامتلك السوريون ما يساعدهم على تحرير البلاد من المحتلين، وكانوا في ظرف أفضل، فلن يتهربوا من مسؤولياتهم، ولن يفرطوا بما باعه بشار الأسد للغزاة برضاه؛ فسوريا ستظل قلعة الصمود والتحدي، والرفض القاطع لكل ما يمس كرامة السوريين.
* *
لكن الغريب العجيب، المثير للانتباه، أن الموقف الدولي من الوضع في سوريا كان مخزيًا، وغير عادل، ومتجاوبًا مع مصالح الغزاة، ومتجاهلاً مطالب المواطنين، وحقهم بالعيش في بلادهم أحرارًا، وحقهم في اختيار الزعامة والنظام الذي يقودهم إلى ما يعزز مكانة بلادهم، بعيدًا عن الوصاية، والأهداف المشبوهة، ومحاولة القضاء على وحدة الدولة السورية.