د. حمزة السالم
التنبؤ بالمستقبل القريب يكون بناء على المعطيات المتوافرة اليوم، مع اعتبار معطيات الأمس واستصحاب ردة الأفعال على الصدمات الغير متوقعة التي تعرض لها السهم أو السند أو السلعة ونحو ذلك. وهذه كلها معلومات متوفرة وخبرات ليس فيها ندرة. فلا مجال إذا لتفرد محلل أو صندوق في الاستمرار بتحقيق مكاسب في المضاربات القصيرة الأجل، إلا أن يكون لديه معلومات سرية من داخل السوق أو الصناعة أو السياسة أو الشركة، وهذا فعل غير قانوني ويؤدي للسجن.
وهناك ما يُسمى بالتحليل الفني، للسهم أو السند أو العملة أو السلعة. فالتحليل الفني هو قراءة للسلوك السوقي لورقة مالية في الماضي، وثم رسم هذا السلوك بيانياً، وثم يضعون لها مسميات من وحي تصوراتهم. كالشموع اليابانية والصينية ونحو ذلك من غرائب المسميات.
وهذا تحليل باطل لا يخرج عن ضرب الكهان، ذلك لأن معلومات الماضي قسمان: قسم متوقع وهو الذي يعرفه كل فرد متخصص في هذه الصناعة، كمعلومات الأرباح والكلفة ونحوها، وتسلك عادة سلوكاً طبيعياً. والقسم الثاني هو ردة فعل السوق للصدمات الغير المتوقعة، الخاصة بتلك الورقة المالية أو الصدمات العامة للسوق كله أو لصناعة منه. ومعلومات هذا القسم عشوائية، تحدث بلا تخطيط ولا توقعات، وليس لها نمط ما. ولو وضعتها في رسم بياني لرأيت الخط يتخبط يمنة مرة ويسرة مرة أخرى وأحيانا يفاجئك بالدوران حول نفسه، ليعكس اتجاهه 180 درجة.
فالتحليل الفني يعتمد على تاريخ هذا التخبط والعشوائية في سلوك الورقة المالية، ليسحبه على سلوكها في المستقبل، وهذا ضرب في النجوم لا صحة له، ولا ينضبط إلا عشوائيا كذلك. والأسوأ من ذلك وأعظم تخبطاً، هو اعتماد نماذج اسُتخرجت من أسواق أخرى لأسهم وأوراق مالية أخرى، ومن ثم تطبق على سهم أو ورقة محلية في سوق محلي، لا تتفق مع النموذج حتى في مجال الصناعة، فضلا عن اختلاف ثقافات الأسواق. والعشوائية متى تحققت فلا تزيد صحتها ولا تنقص، لأن زيادتها عشوائية أخرى، فيطرح بعضها بعضاً. ولذا لا يرى المحلل عشوائية خارجة عن المألوف عندما يطبق نموذجاً يابانياً -مثلا- على سهم بنكي في سوق سعودية.
ومن أسباب قبول بعض النفوس بهذه التحليلات، استشهاده بحالات ناجحة متواصلة. وسبب ذلك هو أنه عندما ينشط السوق ويزدهر، سيدعي كثير من الناس بأنهم أذكى من غيرهم، ثم يصدقون أنفسهم، فيمتلئون ثقة بدهائهم، فينسبون الأرباح التي حصلوا عليها أو تسببوا بها لغيرهم إلى فطنتهم وذكائهم. ولكن الذي غفلوا عنه، أن غالباً من يدخل السوق وقت ازدهاره سيكون من الرابحين. ففي طفرات السوق، يعيش أهل السوق فترة زمنية يتوافر فيها الأذكياء والفطناء.