لك أن تتخيل شعوري عبارة عن تفاحة واعدة مكتنزة بالاحمرار الذي يضج ألواناً خضراء زاهية، ولك أن تتخيل أيضا رحليك هو المادة التي تأتي على التفاحة لتُقشر منها جلدها اللامع وشعورها ومشاعرها !؟
أعلم أنه مثال بسيط وتدريجي وربما بدائي ولكنه واقعي، وأعلم أن أي قارئ لكلماتي ربما يرى أنها مجرد دعوة لحضور حفلة تقشير تفاح !
لكني أعرف أناسًا قضوا آخر أيامهم وهم يقُصون قصصًا مرحة، كقصة التفاحة المقشرة هذه !
ولكن أيضاً هذه التفاحة هي وسيلتي الآن لأشرح للحياة ولك وللهواء والنوافذ والعشب المبتل وللقلم السواورفسكي الذي أتباهى به ثم أشفق عليه كيف يتقشر شعوري كيف ينسلخ جلدي رويداً رويداً تمامًا كالتفاحة !
لأنه وللأسف رغم إيماني أن إحساسي يتقشر فإنه يخلق بي ألماً غير محتمل يُدمر البنية التحتية بكل أدواتها من حديد وصُلب واسمنت!
لا أريد أن أتحول لصدأ، حتى وإن ورطني هذا الدماغ في ارتباطات ساحقة وعميقة في استطاعتها تحويل التفاحة المقشرة من مجرد شعور ينسلخ إلى كومة متهالكة من أساسات البناء !
ولا أريد أن يختل يقيني المطمئن المؤمن وينجرف نحو وجودي الأسوأ لأن البئر العميق داخلي تومئ لي بالسقوط فاتحة فاها على الدوام !
شعور مزعج أليس كذلك ؟!
لكن يا أبي حتى التفاح في أحسن الحالات يجف وإن لم يصبه ندوب وإن لم يتخلله العدم أو الشوق المسنن كسكين جارحة، يظل دومًا يبحث عن نقطة النهاية وإلا سيتعفن بدمه ودمعه !
لا شيء يستطيع أن يترجم اختراق الفقد لمسام الجسد بدرجة الخفة والبراعة حتى يتبخر معها كل ثبات !
لا شيء يقدر أن يصف انهيار الجلد ومدى أزمته الشعورية أمام عنف الرحيل وسقوطه إلى حيث الأسى عُملة متداولة !
ولا شيء في مقدوره محو الآثار الزمنية المتسلسلة المترتبة على الفقد بكمياته الموهولة من خلال سجل سنوات، سنة، سنتين، ثلاث أربع وحتى عشر وعشرين وللدهر العظيم الكامل!
سجل حافلٌ بأصابع ترتعش، ومسافرٌ لن يعود وتفاحة تحتضر.
** **
- رباب محمد