هل اعتدت يوماً أن يناديك أحدهم باسمين؟
قد يكون ذلك، وقد لا يكون!
ولكن ثنائية الاسم ليست بجديدة، وهي تأتي في ظروف أحياناً دون أن يكون لك يد فيها، وأحياناً تضطر اضطراراً أن تلج في غمرة الأسماء عنوة بعد أن عرفك الناس باسم واحد، وظللت ردحاً من الزمن تلتفت بمجرد ذكر ذاك الاسم المعنون بك، وإن كان المنادي لا يعنيك حتى يغيب شيئاً فشيئاً، ثم يغرق فيما بعد في يم النسيان، ومع كل ذلك تبقى ورقة لم تندرس بعد، يظهر لك فيها الاسم فجأة بحيث يمر عليك، ولكن دون أن يكون له تأثير في نفسك. فالرسول - عليه الصلاة والسلام - أعطى بعض الصحابة أسماء لم تكن لهم؛ لما لأسمائهم الأصلية من دلالة على أشياء منافية للدين أو للذوق العام؛ فكانوا يُعرفون في التاريخ باسميهما كعبدالرحمن بن عوف الذي كان قبل ذلك يدعى بعبدالكعبة. وهذه إحدى نواقض الأسماء الأساسية التي قد تكون خارج الإرادة، ولكنه أمر لا بدّ منه! وهكذا ظل كثير من الأدباء والشعراء قديماً وحديثاً باسم يعرفه الخاصة، أو اسم ولقب يعرفه العامة، كالحطيئة جرول بن أوس، وكالفرزدق همام بن غالب، والمتنبي أحمد بن الحسين، وغيرهم الكثير. وهناك ما يُعرف بالأسماء المستعارة، وهي تعطي صاحبها ثنائية الاسم في العموم والخصوص، وقد يكون على ضربين، هما خوف من الفشل أو من السلطة؛ فيوقّع على مقالاته أو كتبه باسم مستعار. وكثير من الكتّاب والروائيين كانوا على ذلك إما عمداً أراد، أو المصادفة هيأت له ذلك. وليس ذلك مقتصراً على فئة الرجال فحسب، وإنما للنساء نصيب في ذلك، كجورج ساند، واسمها الحقيقي أورور أرماندين دوبان، والأخوات برونتي، وهنّ (إميلي وشارلوت وآن) اللاتي وقّعن تحت رواياتهن بأسماء مستعارة ككورر وإليس وأكتون بيل. ومن المشاهير أيضاً فولتير، واسمه الحقيقي فرانسوا ماري أروويه، وموليير ويدعى جون باتيست، بل بلغ من الكاتب التركي نسين عزيز أن يتخذ اسم امرأة في كل مقالاته الأدبية والثقافية في الصحف حتى عشقه أحد الكتّاب، وأحبه كامرأة من خلال ما يُكتب من أسلوب، بلغ غاية في الروعة، فلما تبيّن له أنه رجل كانت الصدمة عليه أشبه بالارتطام بحائط أسمنتي شديد الثبات، وخيبة أمل أحبطت مشروع زواج كان يعدّ له العدّة.. على أن البعض يظل متعلقاً بالاسم الآخر مع احتفاظه بالاسم الأصلي حتى أنه يتفاءل به، ويفتخر أكثر من اسمه الأصلي؛ لأنه يعود له الفضل في الشهرة وحسن الأحدوثة (كأدونيس)، واسمه علي أحمد سعيد؛ إذ يَحكي أنه لم يُنشر له شيء باسمه الأصلي من قبل حينمكان يرسل للصحيفة حتى وقّع مقالاته باسم أدونيس الذي ذاع صيته به فيما بعد.. وللأستاذ الفاضل محمد عبدالرزاق القشعمي كتاب يتضمن ثنائية الاسم بعنوان: (الأسماء المستعارة للكتّاب السعوديين)، لم يألُ جهداً في حشد الكثير ممن له اسمان حقيقي ومستعار. والقائمة لا تنتهي!
ولست بدعاً من ذلك؛ فاسمي أحمد، ومقالاتي موقّعة بزياد في حكاية كانت تأسرني قديماً، وظللت حبيس الاسم حتى توقفت ها هنا حينما رأيت غلاف كتابي الجديد الذي يتضمن مختارات من المقالات الأدبية والنقدية والسِّير المنوّعة التي نُشرت من قبل في المجلة الثقافية رائدة الثقافة في الخليج والعالم العربي بجريدة الجزيرة، قد جيّره الناشر باسم أحمد حسب الفسح الإعلامي، وهو الاسم الرسمي، فقررت أن يكون توقيعي على مقالاتي منذ هذه اللحظة باسم أحمد حمد السبيت.
** **
- أحمد بن حمد السبيت