نحن في عصر يتطلب منا التنظيم في كل شيء، فبدونه نكون ضحية المزاجية والعشوائية والفوضى. ويعرف جيل الشباب الذي دخل تواً لحياة العمل والإنتاج، وانتظم طيلة الأسبوع بنظام للأكل والنوم، أنه إذا جاء «الخميس» وخاض غمار «البلوت» والسهر لساعة متأخرة، ثم أكل ما يستطيع؛ وما لا يستطيع؛ من «كبسة الحاشي»، سيصحو في ظهيرة يوم الجمعة وهو متشبع بالقلق والاكتئاب والشراسة، وكأنه حاقد على كل شيء ويريد أن يصفع كل من يراه! يعود «الحاقد» ابتداءً من الأحد مجبوراً لنظام العمل والأكل والنوم، فيتعدل المزاج وتتضح الرؤية ويزداد التركيز، وينبثق نوع من الفرح الخفي كلما تم إنجاز ما؛ في متطلبات العمل أو البيت أو العائلة.
نظام العمل والأكل والنوم ولوازم البيت والأسرة هو مسؤولية جماعية، ولكنه يستند إلى الفردية أكثر من استناده للعمل الجماعي. بيد أن هناك نشاطات تستند بالضرورة للعمل الجماعي، أكثر بكثير من استنادها للفردية. ولا أريد هنا أن أورد مثالاً وحسب، إنما أن أسلط الضوء على نشاط لا يقبل الفردية، ألا وهو العمل الصحفي!
الصحافة في عصرنا تشمل الصحف والفضائيات وأجهزة التواصل الاجتماعي، بالإضافة للمجلات والدوريات والكتب. وتصنف الصحافة على أنها السلطة الرابعة؛ بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وهناك من يصنفها على أنها السلطة الأولى، فهي التي تشكل وعي المجتمع بأسره، ولها تأثير خارج إطار المجتمع الواحد! ولذلك للصحافة مهمتان أساسيتان: الأولى هي إيصال الخبر وتحليله وتفنيده ووضع الآفاق والتصورات لما يترتب عليه. وهذه المهمة هي الأساس التي بنيت عليه الصحافة في العالم أجمع من البدايات الأولى، ولهذه المهمة كتابها ومسؤوليها. أما المهمة الثانية فهي المهمة الثقافية، التي لا تقل أهمية عن الأولى بالرغم من أنها ظهرت متأخرة عنها.
المهمة الثقافية ليست سهلة كما يتصور البعض، وهي ليست عملاً للترف الفكري، إنما هي حاجة اجتماعية ملحّة يفرضها تطور المعرفة! وبالتالي الصحيفة مجبورة لتلمس الحاجات المعرفية للقارئ وتلبيتها. وهذا الأمر يتطلب وضع أولويات القارئ موضع الاهتمام الأول، ونبذ العشوائية في الكتابة!
يوجد في المجلة الثقافية لجريدة الجزيرة كتاب مرموقون لهم قدرات عالية، وما «أقترحه» هو توظيف تلك القدرات بشكل منتظم، وخاصة بعد العودة الميمونة الحالية. أي وضع «محور» ثقافي لكل عدد يلبي حاجات القارئ المطروحة في وسائل التواصل الاجتماعي من ناحية، ويفتح الآفاق أمام الكتاب لعمل جماعي يكون أكثر فعالية من ناحية أخرى. ومثل هذا المحور يريح القارئ والكاتب معاً.
** **
- د. عادل العلي