ترجمة - حسن الحجيلي:
ظهرت فكرة انبثاق شكل فني جديد في صناعة الأفلام للمرة الأولى عبر مقال نُشر في مجلة النيويورك تايمز الأحد، مارس 2009، للناقد السينمائي أ. أو. سكوت، وفيه لاحظ سكوت التشابه الكبير بين أسلوب بعض صناع الأفلام المستقلين المعاصرين مع النمط الفني المعروف باسم “الواقعية الإيطالية الجديدة” في الأربعينيات الميلادية. ومن أمثلة هذا التشابه: أولاً: اختيار ممثلين غير محترفين لتأدية أدوار رئيسية. ثم ثانياً: تصوير الأفلام في الشوارع والأماكن العامة، وغالباً دون علم زوار هذه الأماكن. وثالثاً: الاستعانة بحوارات بسيطة مكتوبة سابقاً وقت التصوير، وحتى في بعض الأحيان دون الاستعانة بحوارات مكتوبة إطلاقاً؛ فتكون الحوارات ارتجالية.
والغاية التي يتشابه في تحقيقها الحركتان الفنيتان هي نقل حياة الفئات المحرومة والمهمشة داخل المجتمع. وهؤلاء هم الذين يبرعون في العيش “على حافة الهاوية”. وهذه الفئات بالتحديد يتم إهمالها بشكل معتاد في السينما الجماهيرية والأفلام التي تحظى بإقبال شعبي كبير.
وصف سكوت هذه الحركة الجديدة باسم الواقعية الجديدة - الجديدة، التي تبدو وكأنها نشأت كردة فعل عكسية لأمور عدة، منها: الإقبال الجماهيري الشاسع على أفلام الخيال العلمي التي تسيطر على صناديق التذاكر، وانتشار ظاهرة الأفلام التي تعتمد على التقنية الرقمية لتعديل لقطاتها وتعديل أماكن التصوير وتعديل أحجام الشخصيات المعروفة بمصطلح: الأفلام المعدلة بالكمبيوتر، وعادةً هذه الأفلام تعتمد على ربط شخصيات الأبطال الخارقين مع موضوعات تنتمي لفئة ديستوبيا الخيال العلمي، ويتم إنتاجها بشكل ضخم وكبير؛ وهو ما يساعدها على الهيمنة على عروض صالات السينما. ومن الممكن فَهم تحليل سكوت بسبب اختياره بعناية قصوى نماذج المخرجين المختلفين الذين يحاولون اقتباس حقيقة الحياة الطبيعية كما هي، وتقديمها للجمهور دون الاعتماد على المؤثرات البصرية الكذابة، ودون التسلل الخداع لعواطف المتفرج.
وذلك هو المعنى المطلق لمفهوم الواقعية الجديدة -الجديدة التي لا تتخفى وراء أقنعة الوهم، وإنما تغرس المتفرج في وجه المدفع واقعياً داخل موضوع الفيلم، دون استخدام الخدع البصرية والسيناريوهات غير الطبيعة وغير الحقيقية. (سكوت).
لم تنجُ فكرة الواقعية الجديدة - الجديدة من النقد والاعتراض والاستياء والإنكار من بعض نقاد الأفلام كما ورد في بعض الصحف؛ فكتب ريتشارد برودي مقالة، نُشرث بمجلة النيويورك تايمز، تقول إن سكوت “ناقد طموح”، ولكنه “(يتهافت) للافتراءات التي تقود إلى نتائج ملتبسة” (برودي). وكتب الناقد السينمائي جلين كيني أن نتائج تحليل سكوت النقدي مبالغ فيها، والهدف منها زيادة عدد القراء، وإثارة الجدل الإعلامي. ولكن غاب عن هؤلاء إجراء دراسة عميقة لكلٍ من الحركة “الواقعية الإيطالية الجديدة” وما يصفه سكوت بالواقعية الجديدة - الجديدة مع دراسة أوجه التشابه والاختلاف، والاستكشاف النقدي. ومن ناحية أهم: قراءة المشهد الاجتماعي السياسي (السوسيو سياسي) الذي أدى لظهور مثل هذا النمط الفني.
** **
- ترجمة الجزء الثاني من ورقة بحثية بعنوان “انبعاث الفيلم الواقعي” للمؤلف آرنر بيتراسون، كتبت في تاريخ مايو 2018.