حسن اليمني
لا توجد في السياسة عدالة طاهرة حتى مع الأصدقاء فالمصالح الخاصة وإن توارت خلف قضية ما إلا أن العقل يستحضرها للاستثمار كل ما حانت الفرصة.
لروسيا والصين فضلاً عن أوروبا وأمريكا علاقات ومصالح مع العرب يحفظها وينميها السلام والاستقرار ومع ذلك تعوم القضايا العربية في المحافل الدولية سنين وعقود دون الوصول إلى نتائج تفضي لحلول وإن بأدنى الحقوق، يظهر ذلك في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وقبلهم الصومال والسودان وفلسطين بالتأكيد، ثم بصورة أخرى دول الخليج العربي مع إيران فأنت تتحدث عن 13 دولة عربية من أصل 20 دولة مع العلم أن البقية من هذه الدول العربية المختفية عن سطح الصراعات تعيش أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية تعطل مسار نموها وتطورها بما يجعل الوطن العربي برمته من الخليج إلى المحيط جرشاً في رحى صراعات طموح بين دول عظمى.
هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها المتفرعة منها بمختلف تخصصاتها محكومة بخمس أيدٍ ما أن ترتفع يد واحدة حتى تقرر مصير قضية دولية، حق «الفيتو» للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الحاكم للعالم اليوم هو السيف الذي تتبارز به فيما بينها لتمحيص القضايا وتدويرها لتحقيق مصالح هذه الدول الدائمة العضوية وإن استبدت الولايات المتحدة الأمريكية في كثير من الأحيان على أركان «الفيتو» الأخرى بحكم السطوة الأقوى لكن مع حفظ حقوق البقية في حماية مصالحها في أنحاء العالم وكأنما بقية دول العالم مجرد بيادق على لوحة شطرنج ليس أكثر.
لم تستطع التجمعات الإقليمية مثل التعاون الإسلامي والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومجموعة شنغهاي والاتحاد الآسيوي وغيرها الكثير رغم أهميتها إلا أنها بقيت عاجزة عن تحقيق أيّ مستوى من تحقيق العدالة والإنصاف لقضاياها أمام قوة وسطوة مجموعة «الفيتو» الأمر الذي يجعل إدارة العالم أمر مستقر بيدها إلى حد أن هذه التجمعات الإقليمية بتنوعها تستلف حضور رمزية هيئة الأمم المتحدة حسب تفرعاتها لكسب الشرعية الدولية، أي تحت غطائها وبمعيتها وتزكيتها، وهذا بالضبط أدق تصوير لدائرة الرحى وهذه المرة من حبيبات الجرش المطحون داخلها.
إن خروج الدول النامية من محكومية دول «الفيتو» في واقع كهذا أمر مستبعد برغم ما تظهره من عناوين النهضة والتطور واستقلال الإرادة، فكل هذا يبقى داخل دائرة الرحى ولا يتجاوزها، أي أنه يبقى ضمن عملية الجرش لتغذية ديمومة السيطرة والهيمنة، لكن هذا ليس في كل الأحوال، فهناك دول تسمى بلغة الهيمنة والسيطرة، دول مارقة مثل كوريا الشمالية وإيران وكوبا والدول العربية والإسلامية بمجموعها تحت عنوان الإرهاب وإبراز منظمات القاعدة وداعش وباكو حرام وغيرها كغطاء لمروق الدول العربية والإسلامية، كل ما حاولت إحداها الخروج من رحى السيطرة والهيمنة، لكن بشكل غير مباشر لاستثمار ذلك في تضخيم المكاسب بما في ذلك تبعيتها ناهيك عن أثمان تدفع لإبراء الذمة من العنوان.
إن الشرعية الدولية هي الخصم الأول للدول النامية وإن الدول النامية هي الدول الأكثر تمسكاً بهذه الشرعية وخاضعة له وبالتالي فإن مجرد التفكير بإعادة النظر في شرعية هذه الشرعية هو بمثابة خروج ومروق تتكالب قوى «الفيتو» لمحاصرته وإجهاضه ومعاقبة كل من يتظلم من عدالة وإنصاف ميزان القوة.