د. عبدالحق عزوزي
صدر لسعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، كتاب شيق وقيم يحمل عنوان «المرأة والتنمية»، استعرض فيه الكاتب أهم الإشكالات المرتبطة بشكل وثيق بقضايا المرأة ودورها التنموي، التي ظلَّت عالقة بالفكر العربي الإسلامي، معتبراً أن «مشكلة المرأة» مشكلة المجتمع كله، وأنها لن تُحَل من دون إسهام الجميع في الارتقاء بمكانة المرأة، وتعزيز مشاركتها في التنمية. ويتضمن الكتاب أربعة فصول: حيث تناول الفصل الأول محددات دور وتأثير المرأة في التنمية، وتحدث الفصل الثاني عن المرأة والدين، بينما خُصِّص الفصل الثالث للحديث عن المرأة في دول الخليج العربي، أما الفصل الرابع من الكتاب الذي جاء بعنوان الشـيخ زايد والمرأة.. الرؤية والإنجاز، فيستعرض حالة المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أشار الكاتب إلى أن كتاب «المرأة والتنمية» يهدف إلى التركيز على أهمية دور المرأة في عملية التنمية وتطوره والتحديات التي تواجه هذا الدور، مع بيان ملامح التطور التي شهدتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل عام، ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص، في مجال تمكين المرأة وتعزيز دورها ومكانتها في مسيرة مجتمعاتها التنموية. وهدف الكتاب إلى تحديد العوامل السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، التي تؤثر في مشاركة المرأة الخليجية في القوى العاملة؛ من خلال دراسة الأوضاع السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية للمرأة في دول الخليج العربي.
ودائما ما أقول شخصيا في تدخلاتي أن ديننا كرم المرأة وأعطاها حقوقها ومكانتها في المجتمع؛ وإذا كانت هناك تجاوزات فإن ذلك من عمل البشر وليس من أمور الوحي في شيء. فمؤرخو السيرة النبوية مثلا، يذكرون أن بعض نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلها أم سلمة، حسب رواية النسائي وأحمد، قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: مالنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟» وكان من التصور أن يجيبها صلى الله عليه وسلم بأن الخطاب القرآني كله، ما لم يخصص، موجه إلى الرجال والنساء على السواء، غير أن الجواب عن السيدة السائلة جاء من السماء، في سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (35) سورة الأحزاب... فهاته الآية حكم بالمساواة في التأهيل الإلهي الروحاني للرجال والنساء، مساواة في التعبد، أعمالا وأحوالا، وفي ثمرة التعبد، وهي المغفرة والأجر العظيم، وبهذا الحكم لا تحتاج نساء الإسلام إلى من يتكلف الدفاع عنهن في هذا الباب... ونبغت في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية الآلاف من العالمات المبرَّزات والمتفوقات في أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية والإسلامية، وقد ترجم الحافظ بن حجر فى كتابه «الإصابة فى تمييز الصحابة»، لثلاثة وأربعين وخمسمائة وألف امرأة، منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات. وذكر كل من الإمام النووي في كتابه «تهذيب الأسماء واللغات»، والخطيب البغدادي في كتابه «تاريخ بغداد»، والسخاوي في كتابه «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»، وعمر رضا كحالة في «معجم أعلام النساء»، وغيرهم ممن صنف كتب الطبقات والتراجم، ذكروا تراجم مستفيضة لنساء عالمات في الحديث والفقه والتفسير وكذلك لأديبات وشاعرات.
ولقد تفوقت المرأة المسلمة على الرجل في جوانب كثيرة في علوم الحضارة الإسلامية، فنجحت كحاكمة وكقاضية وكمحاربة وكقائدة الجيوش وكمحتسبة وكفقيهة.
كل من يعرف الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، يرى بأم أعينه كيف أنه رجل مطلع ومجتهد، وقارئ نهم وله بعد استراتيجي في تآليفه وحنكة وتجربة لا يعلى عليها في التسيير والإنتاج وتشجيع أبناء وطنه وأمته ذكورا وإناثا لتحمل مسؤولية الإنتاج الفكري والإبداع، وهي المسيرة التي تستنير كل وقت من أوقات الالتقاء، وكل خطوة من خطوات الاستبصار والاستجلاء والتحليل والتقييم، بنور جديد ويقين وهاج، يمتلك قدرة لا توصف في الوصف والتشخيص والتحليل. وهو من أولئك الذين يسهرون على إرهاف وعي الخاص والعام وإزاحة رواسب ليالي المحنة والمرهقة بصراع القوى ومعترك المذاهب وصدام التيارات، ويظلون في موقعهم من ميدان الجهاد والإنتاج والإبداع ومن هنا هذا الكتاب عن المرأة والتنمية الذي أصدره وبه ستغتني المكتبة العربية وستبلور به سياسات عمومية في خدمة المجتمعات حيث أكثر من نصفهن من النساء.