سمر المقرن
أقسم بالله، أنني بكيت كثيراً وأنا أقرأ عن أطفال تم رميهم في مستشفيات دون حاجة، فعندما يشتري الآباء والأمهات الراحة بعذاب أبنائهم، يكونون كمن يشقون أغلى جوارحهم بمشرط جراح ملوَّث، وكأنهم ينزعون أجهزة التنفس الصناعي عن حنانهم لأبنائهم ويطفئون مصابيح رحمتهم على صغارهم لتبقى أمراض أبنائهم ساهرة عصية على النوم تعذبهم تارة وتُخضب القلوب الغضة بالدماء تارة أخرى، حيث لا يجدون راحة بين مخالب المرض، ولا من يرأف بهم وهم آباء وأمهات المفترض أنهم واحة أمان الأبناء، ولكنهم أحرقوا الواحة وغدروا بالأمان، ورفضوا استلامهم من المستشفيات بحجج واهية، منها عدم قدرتهم المادية والمعنوية على متابعة علاجهم بالمنزل رغم عدم حاجتهم الطبية للعلاج أو البقاء بين جدران المستشفيات للأبد. أعلم أن من بين المرضى الأطفال من هم مصابون بمتلازمات وراثية أو أمراض عصبية ومن يحتاجون إلى أكسجين إضافي ... إلخ، ولكن عندما يعلن الطب والأطباء بمنتهى الحيادية أنه مهما بلغت درجة إعاقة الطفل فإنه إذا تمكنت أسرته من رعايته في المنزل فذلك أفضل كثيراً وليس هناك حاجة لتركهم في المستشفيات، ناهيك عن مريض آخر قد يكون في أشد الاحتياج لسرير في المستشفيات للعلاج، فما المبرر لعدم استلام الأطفال المرضى الذين يمكن متابعة علاجهم في المنازل تاركين إياهم في المستشفيات لا تحنو عليهم إلا أيادي الغرباء حتى لو كانوا ملائكة رحمة؟ كيف يتركونهم لشهور أو لسنوات أسرى للوحدة والمرض وهم في أمس الحاجة لحنان أب أو لمسة يد أم تطبب آلام لا يستطيع الطب مداوتها؟ فهل أصبحت قلوب والديهم كالحجارة أو أشد قسوة؟ وإذا كانوا غير قادرين مادياً فمن حق أهاليهم التقدّم بطلب لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية لشراء أي أجهزة قد يحتاجها الطفل المعاق أو إعانته مادياً كل شهر للعلاج، فالدولة لم تقصِّر في تقديم كافة المعونات للمرضى والمعوقين، فما الداعي لتعسف أولياء الأمور ورفض أبنائهم بدعوى أن التواجد في المستشفى أفضل؟ ولماذا المماطلة في استلام الأطفال وإغلاق الجوال ليصبح مرفوعاً من الخدمة مثل قلوبهم؟ ورغم إبلاغ الإمارة التابع لها الأطفال المرضى ليتم استلامهم يماطل أولياء الأمور مجدداً في الاستلام؟!
ما هذه النماذج غير الإنسانية القاسية؟ الحمد لله أنها قليلة، إلا أنها تدمي القلوب وخصوصاً أن العلم والإنسانية أكدا أن تكملة علاج الأطفال في المنزل أفضل لرعايتهم عاطفياً، وهو ما أكده أيضاً «دانييل نوترمان» طبيب الأطفال وأستاذ البيولوجيا الجزيئية بجامعة برينستون الأمريكية، الذي أشار إلى أن فقدان الوالدين لا سيما في مراحل العلاج يضع الطفل تحت ضغط عصبي متواصل ويصيبه بأمراض مستعصية أخرى.. هؤلاء الأطفال بأمراضهم وإعاقاتهم «بركة» حُرم منها هؤلاء القساة أنفسهم!